ميلاد أمة-4: من مِلل إلى أقليات: ج) حالة العلويين [4] -التدين

ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي

 

4- الخلفيّة النُصيريّة والتديّن:

تعتبر كتب التراث في الفقه الإسلامي والعقيدة وغيرهما المذهبَ النصيري مذهب غلاةٍ باطنية، ولا تعتبر مجموعة أتباعه فرقةً مسلمة.  وسبب ذلك معروف، وأبسط ما يمكن أن يعبّر عنه هو عدم تسليم المذهب النصيريّ بأركان الإسلام أو أركان الإيمان المعروفة، برغم أنه تجد عند بعضهم بعض مظاهر الإسلام بحُكم طول المجاورة.  وحتى كتب التراث الشيعي لا تعتبر النصيريين مسلمين.  غير أنه ظهر بين النصيريين في عدّة محطات تاريخية مشايخ حاولوا تقريب الطائفة إلى مبادئ المذهب الإسماعيلي أو إلى الشيعة الإمامية الإثنا عشرية.  والغالب أنّ دافع ذلك كان مزيجاً من رغبة إخراج العوام من حالة الجهل ورغبة في تطبيع وضعهم السياسي.  ونداء الشيخ عبد الرحمن خ لسنة 1968 (والراجح الظاهر أنه الشيخ عبد الرحمن الخير الذي ينتمي للطائفة العلوية والذي درس وتوسّعت مداركه) فيه تأكيد للأزمة المذهبية عند الطائفة العلوية، وهو النداء الذي ذهب أدراج الرياح.  وتؤكّد هذه الرسالة أنّ الشعوبية الفارسية والأفكار الباطنية غشّت جمهور العلويين، وأنّ العلويين في أصلهم مسلمون مثل غيرهم، غير أنّ هناك من استغلّ جهلهم فصرفهم عن الحقّ بممارسات الدجل.

وعند تأسيس الدولة السورية، اعتبر الدستورُ السوري أنّ العلويين مسلمون، كنوعٍ من التسوية السياسية ولرسم شخصيةٍ جديدة لبلدٍ مخترع لم يوجد من قبل.  كما استخرج الرئيس حافظ الأسد من مفتي لبنان موسى الصدر فتوى بأن العلويين مسلمون.  ولقد حرصت النخبة السياسية عند الاستقلال على تطبيع وضع العلويين، فنُسبت للطائفة مواقف وطنية.  ومن أجل استيعاب الطائفة حوّر الخطابُ الوطني فهم ثورة صالح العلي من ثورة محلية إلى ثورة وطنية.  ويؤكد المؤرخ المشهور فيليب خوري أنّ ثورة صالح العلي في 1920 كان همّها الحفاظ على انعزالية الطائفة ولم يكن لها بُعد وطني شامل، وأنّ غالبية مناطق العلويين لم تنخرط كثيراً في الثورة السورية الكبرى.

وبغضّ النظر عن ذلك، يتميّز العلويون النُصيريّة بعدم عمق الحسّ الديني عندهم، إلا جملة من مسلّمات تلقّفوها من بعض مشايخهم.  غير إنّ محاولة إخماد الثورة الزاخرة بالمعاني الدينية أخرج إلى السطح في هوية الطائفة طبقةً غيبيّة لها رمز دينيّ.

وعلى صعيد المواجهة الصدامية تتوزّع قوّات الموالاة التي تقوم بالقمع بين ثلاث مجموعات.  أفراد واحدةٍ منها مجنّدون مغلوبٌ على أمرهم يتمنّون الخلاص، ولا يتعدّى تأقلمُهم المعيشي عن بلادة الحسّ ومحاولة طرد مشاعر الإثم، إلى جانب الخوف من فقدان الحياة.  المجموعة الثانية هي مجموعة العتاة والسفلة الذين ليس لهم تقدير لأي مبدأ أخلاقي أو وازعٍ إنساني، يخيفهم التألّق الديني للثورة ولكن لا يُثنيهم.  المجموعة الثالثة هي العلويون، وهم بطبيعة الحال على تنوّع، غير أنه يجمعهم شعور الذعر من الانمحاء والزوال.  هذا الذي يميّز عامة العلويين عن غيرهم من الذين يشاركون في القمع، فالهوية الجمعية للمجموعة الأولى من المسلمين هوية مصانة لا يهدّدها موت أفراد، وموت أفرادٍ منها هو كذا موتٌ لفردٍ يخشاه المرء كما يخشى أن يموت في حادثٍ طارئ.  أما مجموعة الإفساد في الأرض (المجموعة الثانية) فتتلذّذ بالشقاء ويتغذّى بأسُها بالمخاطرة على ضفاف الجرائم والموبقات.  المجموعة الثالثة (العلويون) هي التي ترى أنّ المعركة معركتها كمِلّة (مجموعة إثنية) معرّضة للخطر، مما يدفعها إلى استنقاذ مستودع أساطيرها عسى أن يُسلّي مصابها.

كان مناخ الذعر الشديد والخوف من الانمحاء الذي يعيشه العلويون النُصيريّة هو الذي دفع لظهور مفاهيم غيبية بينهم، مفاهيم منسجمة مع خرافاتهم الموروثة أو مستمدّة منها، تجلّت في طقوسية التعذيب والخدر الحقديّ الذي يرافقه، وتأليه الطاغية الحاكم أو خلع صفات القداسة عليه.

وثمة نفرٌ من العلويين انحازوا دينياً وفق آلية المضاهاة اللاشعورية ليعدّوا أنفسهم شيعة.  فالزخم الديني الطافح للثورة رسّخ في البيئة –التي هي محافظة ومتديّنة أصلاً- بداهة ضرورة الهوية الدينية وأنها أمر طبيعي لا تستقيم الحياة بدونها.  فلقد شجّع الظرف الثوري وتباين الصفوف على محاولة بعض العلويين التدثّر بعباءة شبه شيعية من باب تأكيد الأحقية بالوجود ولصرف النظر عن أصل الإشكال، ألا وهو الاستبداد الذي تدعمه الطائفة بوعي أو بغير وعي.  وكما هو معروف، ولاء الطائفة للنظام الحاكم شبه مطلق، باستنثاء نخبة من المثقفين.  وتجد إيران في ذلك فرصةً تاريخيةً للتبشير ونشر تشيّعها الفارسيّ، بغضّ النظر عن هدفها الأصلي السياسي الاستراتيجي.

ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّه مضى على التبشير الشيعي في سورية عقدٌ ونيّف.  و لم ينشط التدخّل الإيراني الكبير وبناء الحسينيات إلا في العقد الأخير على زمن الأسد الابن، وكان الأسد الأب قد سمح بإنشاء جمعية المرتضى بقيادة أخيه جميل من باب التطبيع الديني للعلويين.  وثمة قليل من الدراسات التي تتناول مسألة التشيع في سورية، والراجح أنّ العلويين كانوا أكثر من استجاب لجهود التبشير الشيعي، ويمكن اعتبار مجموعة (الشيعة الجدد) مجموعة إديولوجية متماسكة ومستعدّة للتضحية.

ج)  حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي:

1- الهامشية والمظلومية:

2- مستوى التثقّف وامتلاك المهارات:

3- الاستقطاب الخارجي:

4- الخلفيّة النصيريّة والتديّن:

5- الاصطفاف الطائفي:

6- خلاصة:

Tagged: , , , , ,

10 thoughts on “ميلاد أمة-4: من مِلل إلى أقليات: ج) حالة العلويين [4] -التدين

  1. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

  2. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

  3. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

  4. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

  5. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

  6. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

  7. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

  8. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

  9. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

  10. […] 4- الخلفيّة النصيريّة والدّين: […]

اترك رداً على ميلاد أمة-4: ج) حالة العلويين [3] الاستقطاب الاستعماري | ثورة الشام إلغاء الرد