Monthly Archives: ماي 2013
ميلاد أمة-4: من مِلَل إلى أقلّيات: أ) حالة المسيحيين
ميلاد أمة-4: من مِلَل إلى أقلّيات:
أ) حالة المسيحيين: العروبة والوطنية
نناقش في هذه السلسلة مسألة الهويات وتشكّلها في دولة سورية الحديثة. وبعد المقدّمات العامة التي ذكرناها في الحلقة السابقة والتي تشمل الحالات الثلاث التي نتداولها، نركّز في هذه الحلقة على الحالة المسيحية بخاصة.
الحالة المسيحية حالة كان قد انطبق عليها وصف الملّة في العهد العثماني. وهي التي تبنّى خطابُها القومية العربية ثم القومية القُطْرية، وبعد ذلك تطور الطرحُ ليشمل اشتراط الامتياز الوطني للمسيحيين شعوراً منهم بفقدان الحمى القديمة التي تمتّعوا بها عملياً تحت النظام العثماني في كنف الترتيبة القديمة للمجتمعات قبل الولوج في نمط الدولة الحديثة المرتكزة على الفرد لا الجماعة.
ملاحظات أولية حول الغارة الإسرائلية
القصف الإسرائيلي لمواقع في دمشق خالف النسق الذي التزمت به إسرائيل من قبل، غير أن ثمة اعتبارات جعلته خياراً راجحاً بالنسبة لها وللدول القادرة.
- الضربة الإسرائلية لا يقصد منها إزالة النظام، بل توجيه عدة رسائل فحسب. ولا شك أنها تخلط الأوراق.
- وكانت إسرائيل قد أعلنت منذ أوائل الثورة أنها لن تتدخّل ما لم يتجاوز النظام السوري الخط الأحمر في نقل قوة سلاحية إلى حزب جنوب لبنان تمكنّه من تحسين وضعه بما يتجاوز ما قد تفاهم عليه مع إسرائيل أو خشية وقوع السلاح بأيدي الثوار. ومن وجهة النظر هذه، ليس مفاجئاً ما قامت به إسرائيل، وإن مثل شذوذاً عن القاعدة العامة التي التزم بها مع نظام أخلص في حفظ أمن إسرائيل.
- إن الانحسار الاستراتيجي للنظام وتضيّق خياراته في مواجهة قوى التحرير الوطني –برغم القوة التدميرية للنظام- جعلته باستمرار يحاول الهروب إلى الأمام. ومثل كل محاولات الهروب إلى الأمام، تصل إلى جدارٍ ترتطم به عندما تتجاوز محاولات الهروب هذه نطاق المناورة المقبولة والتي يمكن السيطرة على نتائجها.
- مثّلت هذه اللحظة فرصة استغلتها إسرائيل لتعيد تموقعها على خارطة القوى. وإذ تعرف إسرائيل أنها لا تستطيع الانتصار في مواجهة مقاومة ملتحمة شعبياً، فإنها تعرف أنها تستطيع توجيه ضرباتٍ لنظمٍ عسكرية نظامية، ولا سيما إذا كانت هذه النظم لا تمثّل إرادة شعبها.
- إن صمود الثورة السورية وتغييرها للتوازنات الإقليمية لم يسمح للقوى العالمية الاستمرار بالنأي بالنفس واضطرها لقرار التعامل مع الثورة من أجل تخفيف أضرارها على مصالح هذه القوى.
- بسبب استمرارية الثورة وصبرها وانتفاء احتمال انطفائها، انتقلت الولايات المتحدة الأمريكية من موضع المراقبة البعيدة ومحاولة خنق الثورة، إلى اتخاذ التدابير الاحتياطية خشية التأثير على مصالحها، إلى التفكير بالدعم النوعي كإجراءٍ قد لا تجد منه مهرباً من باب تبنّي خيار أخف الضررين.
- الضربة قامت بها طائرات أمريكية الصنع وتكنولوجيا أمريكية وبمعرفة أمريكية. كان بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية القيام بهذه الضربة بسهولة، غير أن شعبها ليس مهئياً لذلك، وغالبيته تعارض مجرد فكرة التسليح كما تظهر المخططات أدناه. والأهم من ذلك أن قيام الولايات المتحدة بالضربة صراحة يناقض استراتيجية الانفكاك العسكري التي تبنّتها إدارة الرئيس أوباما. فالهجوم الإسرائيلي -المصادق عليه عملياً من واشنطن- يمثّل مخرجاً مناسباً لا يُحرج الإدارة الأمريكية في أنها غيّرت استراتيجيتها، ويحقّق بآنٍ هدفها من محاصرة الآثار الإقليمية للثورة.
- هناك دوماً احتمال حدوث تطورٍ مفاجئ للثورة خارجاً عن حسابات القوى الدولية، مما يتطلّب من الولايات المتحدة التدخّل لحماية مصالحها التي هدّدتها الثورة. وفي هذا السياق، قيام إسرائيل بالضربة يفتح باباً للتدخّل الأمريكي -إذا لزم الأمر- مبرراً بقصد حماية إسرائيل.
- اختيار إسرائيل القيام بالضربة يعطي مادةً للنظام لتشويه صورة الثورة أكثر مما لو قامت بهذه الضربة الولايات المتحدة الأمريكية.
10. الأفعال الشنيعة للنظام سلب من المجموعات القومية المناصرة له مساحة أخلاقية للتحرك. واختيار إسرائيل لتقوم بالضربة يقدّم مبررات إديولوجية مجانية للدعاوى القومية، ويساعدها على تجنيد ما تواجه به الثورة، في الحاضر وفي المستقبل بعد نجاح الثورة.
11. إذا لم تردّ إيران أو حليفها اللبناني خلال أربع وعشرين ساعة (وهذا هو الأرجح)، يعني أن تفاهماً مضمراً قد توصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران، مما يمهّد للأولى الضغط باتجاه التفاوض (وفق صيغة جنيف).
5/5/2013