ميلاد أمة-4: ج) حالة العلويين [3] الاستقطاب الخارجي

ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي

3- الاستقطاب الخارجي:

بدأ الاستقطاب الدولي للأقليات في زمن العثمانيين حين اعتبرت فرنسة وانكلترة وروسية نفسها مسؤولة عن حماية رعايا الديانات المسيحية في الكيان العثماني المسلم.  وفي البداية، لم يرُق هذا التدخّل لبعض الطوائف المسيحية، غير أنه أبدت الطائفة المارونية ترحيباً ملحوظاً.  وبغض النظر عن الموقف الشعبي للأقليات المسيحية، كانت المواقف الفكرية للنخب الوطنية -وفيها وجود مسيحي غالب- هي التي وضعت الأسس الفكرية للاستقطاب الاستعماري الذي نعيشه إلى اليوم.  وبدون إدراك هذا لا يمكننا تفسير الموقف العام البارد أو المتشكّك أو المعادي للثورات العربية من قِبل أغلب الفرق العَلْمانية، سواءاً اليسارية منها أم الليبرالية أم القومية.

 

ودعنا نضع المسألة على نحو مبسط جداً ونقول: ما الرأي في قوم يريدون مناهضة معتدٍ غازٍ بتبنّي فكره؟  كان هذا هو التناقض الـمُحزن الذي سقطت فيه النخب المثقفة، وعلى رأسها نخب الأقليات بما فيها الأقلية العلوية؛ ودور فكر زكي الأرسوزي محلّ شاهد في هذا.  وإنه من العبث هنا أنّ يدخل التحليل في الإشادة بوطنية النخب أو في تخوينها.  فبغض النظر عن النيّات الشخصية للنخب والظروف الموضوعية التي استمالت خياراتهم، لا بدّ من التأكيد على أنه لا يمكن تحرير قومٍ إذا تمّ تمثّل فكر عدوّهم المناوئ، ولو اصطبغ هذا الفكر بألف لونٍ عقلاني ديمقراطي ليبرالي. 

كان لا بدّ من الإشارة للبعد الفكري الذي وطّـأ للاستحواذ الخارجي، ويمكن أن نقابله على أرض الواقع بإجراء لا بدّ وأن ترك أثره في نفوس الناس على نحو عميق، ألا وهو تشكيل كياناتٍ على أساس طائفي.  فكما جرى تأسيس كيانٍ أُعطيت فيه القوة السياسية للمارونيين المسيحيين في القطاع اللبناني، أُنشئ قطاعٌ تحت السيطرة السياسية للعلويين النُصيريّة.  ولم يكن المارونيون هم الكثرة الغالبة في قطاعهم، كما لم يكن العلويون هم الكثرة الغالبة في الدولة العلوية.  شعور المارونيون باستحقاقهم لبنان كجزء من خرافةٍ قومية ترتبط بالفينيقيين أمرٌ معروف -وهو أمر يدلّل على أثر الفكر على السياسة، حيث نشطت الكتابات التي تحيي تاريخ المنطقة القديم لما قبل الإسلام- غير أننا لا نعرف مدى عمق شعور الاستحقاق بدولةٍ علويةٍ يومذاك بين العلويين.  ولم تستمرّ الدولة العلوية لأسباب موضوعية بحتة، وكان للشعور القومي العربي الذي غمر المنطقة دورٌ في ذلك.  كما لم تكن الطائفة العلوية النُصيريّة مهيّئة للانفراد بدويلتها من جهة توافر الطواقم السياسية لهذه الدولة ومن جهة قدرتها على الاستقلالية الاقتصادية.  وهكذا عادت الكتلة السكانية العلوية إلى كنف محيطٍ عربيّ مسلم.  وكان تسليم جبال الجولان ذات الموقع الاستراتيجي المتميّز إلى إسرائيل هو الذي رسّخ التبنّي الخارجي للطائفة، سواءاً أدرك هذا وعي أفراد الطائفة أم لا.

ومن أجل فهم ما آلت إليه التطلّعات العلوية اليوم علينا أن نعود إلى تلك الأيام… أيام تشكّل كيان سياسي اسمه سورية.  ولنقترب من الواقع ولْنتخيل وضع العلويين غداة الانفلات من السياج العثماني القديم وحلول قوة الاستعمار.  لقد كانت الغالبية العظمى من العلويين تعيش في القرى الجبلية في المنطقة الساحلية.  ومن دوافع القوى الاستعمارية الاستخرابية السيطرة على الفاعليات الاقتصادية.  والوضع الاقتصادي المترهّل الذي انتهت إليه الدولة العثمانية ازداد سوءاً (أو ازداد تحريفاً بالمصطلح الاقتصادي) بعد ولوج القوى الاستعمارية.  ففي حين تسعى الحركة الطبيعية للاقتصاد إلى تلبية حاجات الناس، همُّ القوى الاستعمارية هو توجيه الاقتصاد وجهةً جديدة تخدم أولويات البلد المستعمِر المعتدي.  ونعرف أنّه كانت أروبة الصناعية تبحث عن مواد خامٍ وعن تسويقٍ لمنتجاتها.  أما من الناحية السياسية فقد بحثت قوى الاستعمار الأروبي عن مجموعات موالية تسهّل عليها عملية السيطرة، ولكي تقوم هذه المجموعات على إدارة البلد بالنيابة، وليس أفضل من اجتذاب الأقليات لتشكيل رصيدٍ شعبي موالٍ، إلى جانب اجتذاب الطامحين من كتلة الأكثرية –ومن نخبة القوم بخاصة- الذين تُسدى إليهم المناصب البارزة.  ولم يكن العلويون وحدهم الذين تمّ توظيفهم في الأجندة الاستعمارية، فقد جرت محاولات أيضاً محاولات احتواء الدروز، كما أنّ الوضع الاستثنائي للمسيحيين معروف، بالإضافة إلى نخبة السنة كما ذكرت.

الأمر الخاص بالعلويين هو أنّ كتلتهم كبيرة مقارنة بغيرهم، وأنّ جلّهم غير مثقف، مما يجعل إثارة الحنق بينهم أمر يسير.  وكان خيار الالتحاق بالجيش خياراً معقولاً للشباب العلويين، وهذا ما شجعت عليه فرنسة، فالدول التوسعيّة تسعى لأن تنأى بجنودها عن مباشرة المعركة بإنشاء فرقٍ مجندةٍ من سكّان الأراضي التي سيطرت عليها.  وهكذا جنّدت فرنسة نسباً  كبيرة من الأقليات في جيشها “جيش المشرق”، وكان فيه علويون كُثر بحُكم أنهم أكبر أقلية، وفيه أيضاً ضباط من نخبة عوائل المدن الرئيسة.  ولعلّ أكثر الأمور غرابة أنّ هذا الجيش هو الذي شكل نواة الجيش السوري بعد الاستقلال.  وهكذا كان في الجيش منذ لحظة تأسيسه نواة طائفية، وأتى ذلك في فترة ما بعد الاستقلال التي يكون فيها عادةً قدرٌ من التدخّل للجيش في السياسة.

أما تفاقم الدور الطائفي في الجيش فقد جرى بعد تأسيس ما يُعرف بـ “اللجنة العسكرية” التي ضمت ثلاثة علويين ودرزي واسماعيلي، إلى أن انفردت الزمرة العلوية بمكامن القوة والنفوذ ضمن المؤسسة العسكرية تحت قيادة عائلةٍ منها.   ونعلم اليوم أنّه تمّ تشكيل هذه اللجنة العسكرية الطائفية -وكانت سرّية آنذاك- في عهد الوحدة، مما يُفنّد دعاوى العروبة التي كانت تختبئ وراءها.  ولم يقتصر البُعد الطائفي على الجيش فقط، وإنما دخل في الجسم السياسي، جسم حزب البعث العربي الاشتراكي التي سمحت نزعتُه الماركسية الانتقامية وعداؤه للتديّن أن يُخترق من قبل الطائفة العلوية الأكثر تماسكاً من عموم طواقم أعضاء حزب البعث.

والخلاصة، إن الاستقطاب الخارجي للطائفة العلوية النُصيريّة نما ومكّنها من السيطرة على الجيش أولاً، وأعطاها نفوذاً سريّاً نجح في استلاب المنصّة السياسية عبر العناصر الماركسية في فكر حزب البعث وعبر شوفينية قوميّته العربية، فسيطرت الطائفة العلوية سياسياً بحكم تماسكها العشائري، وازداد استبداد الطائفة بتمكّنها من السيطرة على جهاز الاستخبار الذي أصبح هو الحاكم الفعلي فيما بعدُ.

  

ج)  حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي:

1- الهامشية والمظلومية:

2- مستوى التثقّف وامتلاك المهارات:

3- الاستقطاب الخارجي:

4- الخلفيّة النصيريّة والتديّن:

5- الاصطفاف الطائفي:

6- خلاصة:

Tagged: , , , ,

11 thoughts on “ميلاد أمة-4: ج) حالة العلويين [3] الاستقطاب الخارجي

  1. Samir Twair 2013/08/19 عند 4:51 ص Reply

    Excellent analysis. Thank you Mazen. You should publish this article and other articles you wrote in al-Arab newspaper and Watan newspaper of Los Angeles.

    • مازن موفق هاشم 2013/08/20 عند 12:33 ص Reply

      Thank you Samir for your appreciation of what I write. I will be releasing two more sections on the same topic, and then I will contact you for consultation of being published in newspapers that you noted.

      mazen

  2. […] 3- الاستقطاب الاستعماري: […]

  3. […] 3- الاستقطاب الاستعماري: […]

  4. […] 3- الاستقطاب الاستعماري: […]

  5. […] 3- الاستقطاب الاستعماري: […]

  6. […] 3- الاستقطاب الاستعماري: […]

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: