سواء سيكون التدخل العسكري المباشر للدول الراعية للنظام العالمي على شكل ضرباتٍ قاصمة لمواقع حساسة أو نزعٍ تدريجي لأنواع من الأسحلة أو مزيج من الاثنين أو غير ذلك… سوف يجري هذا بدون استشارة مَن يتأثّر بالقرار… ويعني هذا أنّ التشدّق بشجب هذا التدخّل غضبٌ يصرف عن العمل وأنّ التصفيق له بحرارة سلامةُ صدرٍ طافحة. فما دام أنه وقع خارج خيارنا الحرّ فالجدال فيه سفسطة. المطلوب أن نعي أننا نواجه فصلاً جديداً من فصول الثورة، فصلاً سيكون مليئاً بتحدّيات من نوع مختلف، وعلينا أن نتعامل معها بواقعيّة جِدّية. إقرأ المزيد
Tag Archives: الربيع العربي
تجرّع السمّ الزعاف
تجرّع السمّ الزعاف
كل الدلائل تشير إلى أن ضربات عسكرية من قِبل الناتو قادمة قريباً. ولا نعلم مدى هذه الضربات وشمولها، غير أنه لا شك أنه ليس في الأفق أي نيّة لتغيير النظام ولا لإسقاط منظومته. وبعيداً عن سذاجة الإدعاء عن تحرّك الضمير الديمقراطي أو عن وجود ضغوط شعبية في الغرب من أجل التدخّل، لم تفتأ الإدارة الأمريكية وخبراؤها التأكيد على أنّ العمل العسكري المباشر سوف يحدث إذا هُدّدت سلامة الأقليات أو وصل سلاحٌ فعّال إلى الأيدي المجاهدة أو تجاوز الأثرُ الإقليمي للثورة الحدّ المقبول.
ميلاد أمة -5: التصميم الطائفي لدول بلاد الشام
ابتُليت بلاد الشام بأسوأ مزيج من الكيد الاستعماري. وكما هو معروف، تركّز الطريقة الإنكليزية على وضع ترتيبة هيكلية ورسم حدود تتفجّر المشاكل منها فيما بعدُ. هذا ما فعلته في إفريقية، وهذا ما فعلته في تقسيم أرض البشتون بين باكستان وأفغانستان، وهذا ما شاركت بفعله في الشام من حدود مصطنعة وفي تنكّبها عمّا وُعد به الكرد. أما الطريقة الفرنسية فتركّز على الخلخلة الثقافية واللغوية، وهذا ما فعلته في الجزائر وفي بلاد غرب إفريقية. وابتُلِــيت سورية بكلا الكيدين.
آثار الحملات الاستعمارية الاستخرابية أمرٌ معروف، لكن تغيب عن الذهن حقيقةُ ظاهرة ربما بسبب حضورها الصارخ. اتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور لم يقسّما أرض الشام فقط، وإنما أنشآ دولاً تحت سيطرة طائفية.
ميلاد أمة-6: خاتمة
وبعد، فقد كتبتُ في موضوع يصعب أن ينجو المرء فيه من اللوم فيما فعل. وليس هذا الذي يهمّني بقدر ما يهمني عدم إساءة الفهم. ولقد بذلت جهداً أن تكون العبارات دقيقة، ولكن أنّى للعبارة ألا تخون قصد الكاتب، وأنّى لها أن تخاطب في آن حساسيّات كل أطياف القرّاء. ويعرف الكُتّاب أنّ من يريد ألا يوجّه إليه أي انتقاد –ولو كان غير عادلٍ وفي غير مكانه- عليه أن يكفّ عن الكتابة ولا يتكلّم في موضوع ذي شأن.
وسوف يصِف الحداثيون المثاليون منطق الرسالة بأنه “طائفي” لأنه عالج مسألة الطائفية بلغة غير اعتذارية. ولكن أفضل ما نقوم به من أجل السلم الأهلي في هذه المرحلة الحرجة هو عرض أفكارنا ومشاعرنا ومخاوفنا “على المكشوف” وبأدبٍ، لكن بدون مداورةٍ ولا كثير مداراة. فثمة مشكلة طائفية في سورية لا شك، ولا بدّ من أن تواجهها المجموعات المختلفة من أجل أن تفهم آلام وآمال بعضها بعضاً.
وكأي تحليلٍ علمي فإنه يُـقدّم دقة العبارة على مراعاة مشاعر الناس، فالكتابة الجادّة ليست من نوعِ خطب المجاملة في العلاقات العامة. وعلميّة أي معالجةٍ لا تعني أنها نهائية، بل يرِد فيها التعقيبُ والاستدراك. ويمكن للكاتب أن يتحاور مع من يعقّب ويستدرك، غير أنه لا يوجد كثيرٌ من الفائدة في الحوار مع من يرفض مسلّمات طرحٍ ما.
مسلّمتان اثنتان شكّلتا ناظم التحليل في هذه الدراسة:
الأولى أنّ منطقة بلاد الشام وما حولها والمنطقة العربية عموماً تتمتّع بخلفية حضارية تاريخية مسلمة. والفرض المستبطن هو أنّ هذه الخلفية هي ذات قيمة كبيرة بغضّ النظر عمّا يعتري التاريخ والتجربة البشرية من أخطاء. والفرض المستصحب معها أنّ عامة الشعب السوري –وإن كان ليس كلّه– يحترم هذه الخلفية ويريد أن يعيش على نحو أو آخرٍ مستظلاً بظلالها.
المسلّمة الثانية هي أن الفلسفة الغربية للاجتماع لا تناسب مجتمعاتنا العربية المسلمة. ولا يعني ذلك إجراء قطيعة مع التجربة العالمية، وإنما رفض نجاعة استيرادها على نحوٍ آليّ قسريّ. ولا تعيش مجتمعاتنا العربية منقطعة عن تيارات الثقافة العالمية، بل تتفاعل مع معطى الحداثة وما زالت تنسج لنفسها من عناصر الحداثة ما تراه مناسباً.
ومن لا يقبل هاتين المسلّمتين –برغم كثرة الشواهد عليهما– سوف يصطدم مع كثيرٍ من تفاصيل الدراسة أو يحمّلها غير ما أُريدَ منها.
ويمكن لسوء الفهم أن يأتي من الطرفين، الموافق والمخالف. ويحسن الانتباه إلى أنه جرى استعمال عبارة “الحضارة” لأن المعطيات الحضارية تكون عادة نتاج مجموع فرق المجتمع. كما جرى استعمال عبارة الخلفية “المسلمة” وليس الإسلامية لكي يؤخذ البُعد الثقافي بالحسبان وما يضمّ من رحابة التأقلمات. ويعني ذلك على الصعيد السياسي أنّ قيم الإسلام أو التاريخ الحضاري للإسلام يشكّل مخيالاً وطنياً لا يمكن تجاوزه. وهذا بالضبط هو محلّ إشكالية الطروح النخبوية الأقلوية. ومن جهة أخرى، لا تعني الإشارة إلى الخلفية الحضارية الإسلامية التي استبطنت الدراسةُ محوريّـتها أنّ كلّ أفراد الشعب السوري يعشق مجالس المشايخ وينصاع لآرائهم وفتاويهم، كما لا تعني أيضاً أنّ غالبية الشعب هي من صنف أعضاء الجماعات الإسلامية تلتزم بمعتقداتها الحركية أو نظامها التربوي.
وإذا أخذنا المسلَّمتين معاً، فلا يعود هناك معنى لأكثر اعتراضات الطرح العَلْماني. والسبب الجوهري لعدم وجاهة الاعتراضات أنها تضع الخلفية الحضارية المسلمة ندّاً للتفاعل مع الحداثة وما آلت إليه أوضاع الاجتماع البشري، وتقدّس الرؤية الحداثية اللبرالية ولا تقبل تفنيد منطلقاتها.
ويدّعي الطرح الحداثي المحض أنّ استصحاب الهويّـات الدينية معناه تطييف المجتمع. هذا واردٌ في الفهم المغلق للإسلام في بعض المؤلّفات المختصرة. ولكن أمهات الكتب في تراث المسلمين فيها رحابة لاستيعاب الآخر ما لا يدريه أصحاب الطرح الحداثي (وربما يغفل عنه بعض المسلمين أيضاً). ودع عنك ما في بطون الكتب، فالممارسة المسلمة على مرّ الدهور بدون استثناء شاهد على رفعة نظامها الاجتماعي التآلفي.
وعلى كل حال، ليس ثمة أي دليل على أنّ الطروح غير الدينية هي أقلّ تطييفاً. فمثلاً، ليست القومية ببعيدة عن العنصرية إذا فُهمت على وجهها الأوروبي من الاجتماع وفق مفهوم دولة-شعب؛ ولذلك قلنا بمحورية العروبة بمعنى بُعدها الثقافي والذاكراتي وفي عمقها اللغوي، ورفضنا القومية العربية بالمعنى التعصّبي.
كما يدّعي الطرح الحداثي أنّ الدّين يدعو إلى انقسامات عمودية معقلها الهويات، مكان الانقسامات الأفقية التي تجري موازية للأحوال المعيشية للناس في مجتمعات الحداثة. وفي هذا أيضاً قصورُ فهمٍ لواقع الحداثة واختلاف سيرورة نشأة مجتمعاتها، وفيه تسليمٌ بعالمية النموذج الأوروبي. وذلك لأن النظرة المتفحّصة تظهر أنّ هنالك فروقاً كبيرةً في تطبيقات هذا النموذج، كما أنه لم تختفِ الانقسامات العمودية والفئوية في تلك المجتمعات، بل تضخّمت بالإضافة إلى حضور الانقسامات الطبقية والمصلحية.
وختاماً، ينبغي التأكيد على أنّ الارتباط الوجداني بالحضارة الإسلامية لا ينافي –بل يمكن أن يحفز- فكرة الاحتفاء برابطة الوطن والتعايش المشترك بين الفئات المختلفة للشعب، تعايش سلمي رحماوي. كما أنّ استصحاب نسق الحضارة الإسلامية ليس فيه رفضٌ أصلي لتنظيم المجتمع وفق أساليب معاصرة ومؤسسات مدنية ثبتت نجاعتها، ولا يتعارض مع فكرة جريان القانون بالتساوي بغضّ النظر عن التصنيف المجتمعي؛ إذ يتحرّك العقد الوطني على صعيد الحياة والعيش الفعلي المشترك. وإن عالَم المخيال والدوافع والقيم يدخل حيّز السياسة من ناحية الوجهة وما يراد للآليات الديمقراطية أن تصل إليه، وليس من الناحية الفنّية للآلية السياسية.
ميلاد أمة-4: من مِلل إلى أقليات: ج) حالة العلويين النصيرية
ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي
نتابع حديثنا عن المجموعة الثالثة التي ساهمت في أقلَنة المشهد السياسي الاجتماعي السوري، ألا وهي المجموعة التي يُطلق عليها في سورية اليوم اسم “العلويين”. ولكن ثمّة ضرورة علمية لاستعمال اسمهم الأصلي “نصيرية” أو اسم “العلويون-النُصَيريّة” لتفريق حالهم عن حال العلويين التُرك (في تركيا هناك فرقة تدعى “علوية” وتشابه الإسماعيليين نوعاً ما، وهناك فرقة أخرى تدعى “نصيرية” تسكن في ولاية هاتاي/إسكندرون)، ولكيلا يختلط الأمر على القرّاء العرب وخاصة القرّاء من المغرب العربي. وأولاً وآخراً ليس لهذه الفرقة علاقة مع سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا دينه، وكانت فرنسا ساعة الانتداب هي التي أطلقت عليهم هذا الاسم الجديد.
ولا يفوتني أن أشكر الأخوة الأربعة الذين راجعوا هذا الموضوع الحسّاس، وأشير إلى أنّ اثنين منهم من المنطقة الساحلية.
On the Sunni-Shiii Conflict-2
Below is a brief Discussion of Dr. Hathout’s piece, An Open Letter by Dr. Maher Hathout on the Danger of Sectarianism in America, thereafter referred to as the Letter. إقرأ المزيد
On the Sunni-Shii Conflict-1
A comment on Dr. Hathout’s article: Lord, Be My Witness – The Irrationality of Shia-Sunni Violence
At the outset, let me say the following: إقرأ المزيد
الحال الثوري عند منعطف خطير
الصورة العامة لحال الثورة الشامية واضحة رغم كل الغبش الراني وكل الملهيات الجانبية. وما يلي نقاط مختصرة تُحدّد أركان المشهد عند منعطف خطير يراد منه تفريغ الثورة من كمونها. إقرأ المزيد
ميلاد أمة-4: من مِلل إلى أقليات: ب) حالة الكرد
ميلاد أمة-4: من مِلَل إلى أقلّيات:
ب) حالة كُرد الشمال: المخيال القومي وتأزّمه
من أجل فهم الحال الأقلويّ في سورية، ناقشت الحلقة السابقة حالة المسيحيين وميولهم الفكرية في شأن الرابطة الجامعة. ويناقش هذه الفصل حالة ثانية مختلفة، كانت راكدة ومنسيّة ثم برزت فجأة على السطح في سياق الثورة. وسيتبيّن أن ما يشار إليه بالمشكلة الكُردية هو في حقيقته مشكلة كُرد الشمال (والشمال الشرقي) بخاصة، ولا يكاد ينطبق على كُرد الداخل وكُرد المدن.
حالة الكُرد تقابل رأسياً حالة المسيحيين، وتُظهر معضلة مسألة الاجتماع السوري؛ ففكرة الرابطة القومية العربية التي مال إليها الخطاب المسيحي في أوائل الأمر هي التي يفرّ منها الكُرد وينفرون. وذلك لأن اعتبار القومية العربية الأساس الرئيس للاجتماع الوطني لا يُبقي مكاناً للكُرد كونهم من قومية أخرى، ولا مفرّ عند ذلك إلا إلى اختزال الرابطة الوطنية إلى رابطة سورية قُطْرية، ولكن حتى ضمن الرابط القطري الكرُد أقلية ربما لا تتجاوز عُشر مجموع السكّان لهم كثافة في الشمال الشرقي فحسب (النسب هي تقديرات، حيث ليس في سورية إحصاء مهني يمكن الركون إليه). ويبقى توسيع الرابطة لتكون رابطة حضارية خيار، فغالبية الكُرد مسلمون. ثمَّ إنه ليس من رابطة لها من العمق ويمكن أن تعوّض ما تمنحه الهوية الحضارية الإسلامية للمنطقة.
ميلاد أمة-4: من مِلَل إلى أقلّيات: أ) حالة المسيحيين
ميلاد أمة-4: من مِلَل إلى أقلّيات:
أ) حالة المسيحيين: العروبة والوطنية
نناقش في هذه السلسلة مسألة الهويات وتشكّلها في دولة سورية الحديثة. وبعد المقدّمات العامة التي ذكرناها في الحلقة السابقة، نركّز في هذه الحلقة على الحالة المسيحية خاصة.
الحالة المسيحية حالةٌ كان قد انطبق عليها وصف الملّة في العهد العثماني. وكما رأينا، المجموعة المسيحية هي التي تبنّى خطابُ مفكّريها القومية العربية ثم القومية القُطْرية. وبعد ذلك تطور الطرحُ ليشمل اشتراط الامتياز الوطني للمسيحيين شعوراً منهم بفقدان الحمى القديمة التي تمتّعوا بها عملياً تحت النظام العثماني في كنف الترتيبة القديمة للمجتمعات قبل الولوج في نمط الدولة الحديثة المرتكزة على الفرد لا الجماعة.
ولا بدّ ابتداءً من التذكير بأنّ للمسيحيين مساهمات مميزة وبارزة في البوتقة العربية. وليس هنا مقام الإشارة إلى موقعهم في العهدين الأموي والعباسي كشعراء وأطباء وإداريين ومستشارين، وذلك لأنّ الإشكالية التي نعالجها هي إشكالية مجتمع الحداثة وإشكالية فترة ما بعد الاستعمار. المسألة التي نُخضعها للتحليل ليست مسألة انسجام المكوّنات قليلة العدد مع المجتمع ولا المساهمة الفاعلة فيه، وإنما مسألة طبيعة هوية الاجتماع لهذه المكوّنات، وخصوصاً من أيام تفكّك النظام العثماني وظهور أطروحتان للتشكيل الجديد للهوية الجمعية: العروبي المسلم والقومي العربي كما سبق التفصيل فيه.