الحال الثوري عند منعطف خطير

الصورة العامة لحال الثورة الشامية واضحة رغم كل الغبش الراني وكل الملهيات الجانبية.  وما يلي نقاط مختصرة تُحدّد أركان المشهد عند منعطف خطير يراد منه تفريغ الثورة من كمونها.  

عالمياً:

  • هناك شعور عدم ارتياح من البديل المنتمي إلى التاريخ الحضاري للمنطقة، ذلك الانتماء الذي يؤثر على الخيارات السياسية على نحو أو آخر.  وثمة تخوّف من الكمون الثوري الذي تشكّل في بلاد الشام، ومن تطوّر هوية عزةٍ وإصرار، ومن توقٍ إلى حرية وكرامة غير منتقصتين.
  •  برغم رغبة الشعب الانفتاح على العالم والانفتاح الاقتصادي خصوصاً، هناك شعور عدم ارتياحٍ عند القوى الكبرى بسبب أنّ مشاعر وأفكار مناهضة الاستعمار ما زالت زاخرة.
  •  الهدف الحيوي من تحجيم إيران مشفوعٌ برغبة أكيدة في إبقائها قوةً توازن وتعاكس القوى الإقليمية الأخرى.
  • والقلق من السياسية الخشنة لإيران وصعودها على حين غرّة، يوازيه قلقٌ أكبر منه وأبعد منه مدى من القوة الناعمة لتركيا وصعودها التدريجي الواثق.

إقليمياً:

  • من الناحية المعادية، تخوض إيران معركة وجود، وهي مستعدّة للذهاب إلى آخر الطريق والزجّ بكل ما يمكنها، ولا سيما بعدما صعّدت الصفة الطائفية للمعركة.  ولكن لهذا التدخّل حدّاً أعلى بعدها يستنزف القوى ولا سيما قوى حزب جنوب لبنان.
  • ومن الناحية العربية المناصرة، ثمّة إدراك كامل لأهمية الثورة، مع قصور في تحويل هذا الإدراك إلى أفعال، لأسبابٍ داخلية تتعلّق بالقدرة الإدارية والتحديات الذاتية، ولأسباب خارجية رسمت حدوداً ضيقة للفعل المرحّب به.
  •  ومن الناحية التركية المناصرة، ثمّة حرص على دعم أحسن ما يُمكن أن يؤول إليه الوضع الثوري، دعم يأخذ بعين الاعتبار التحديات الاستراتيجية الذاتية لتركيا، مع رفضٍ قاطع للعمل بمفردها وممانعة واعية ضد الانجرار لمستنقع حربٍ ربما تطول.

عسكرياً:

  • هناك قلق من وجود مجموعات إسلامية راديكالية يمكن أن تقوم بأعمال مزعجة تربك أي خطة، (أعمال ترفض أي تسوية ولو كانت تسوية مقبولة لأكثرية الحراك الثوري والسياسي).
  •  وثمّة رغبة في استئصال مختلف المجموعات العسكرية الراديكالية في المنطقة وضرب بعضها ببعض (وبعضها أصلاً مخترق أو يقوم بدور وظيفي ليس في صالح الثورة على المدى البعيد).
  •  كعاملٍ احتياطي يتمّ تجهيز قوات عسكرية نظامية في الجنوب تحت إشراف إقليمي، لمواجهة القوى الثورية الراديكالية في الوقت المناسب (اقتداءاً بتجربة الصحوات في العراق).
  • قدرة النظام الغاشم على البطش سوف تستمر بحكم تسليحه المتدفّق وبحكم اللافعل الدولي تجاهه.

سياسياً:

  • برغم كل ما يُعتب على القوى السياسية للثورة من انقسامات وأنها لم ترتقِ إلى ما يُتوقع منها، فإنها التزمت بثوابت الثورة.  وما زالت محصّلتها مصمّمة على مقاومة الضغوط الإقليمية والدولية.  واستدرك لأقول، إنّ التشهير بالقوى السياسية الملتزمة بأهداف الثورة (لا النقد البنّاء) يساهم عملياً في إضعاف الثورة ويمهّد لمحاولة احتواء المستقبل السياسي للبلد.  [كتبت هذه النقاط قبل أسبوع.  أما الآن وبعد التوسيع القسري للائتلاف، المتوقّع أن يصبح أكثر ارتهاناً للإرادات الخارجية، ولن نحكم عليه مسبقاً حتى نرى سلوكه العملي].
  •  سوف تستمر القوى الدولية في خذلانها القوى السياسية للثورة، خذلاناً متوارياً يعتمد المماطلة واللّف والدوران عسى أن تنجح في فرض حلّ هزيل.
  •  خذلان الثورة يؤدي إلى اتساع نطاقها وانزلاق البلد إلى حالة مستعصية.
  • اقتراب سورية من دولة فاشلة متدهورة يزيد في حجم تهديدها للاستقرار الإقليمي، ولا يتوقع لمحاولات العزل من الشمال والجنوب أن تنجح في منع عدم الاستقرار من الانتشار.
  • الخطر المتزايد لعدم الاستقرار الإقليمي وعدم قبول السيطرة الكاملة لإيران (و روسية) على المنطقة لا بدّ إلا وأن يحفز على فعلٍ دولي أكثر جدية، بهدف إجبار النظام على التفاوض.  وبقدر ما يتأخر الفعل الدولي يتعقّد المشهد ويصبح تعديل الكفّة أصعباً، وتصبح فرصة إعادة الأحوال إلى وضع طبيعي أقلّ.
  • إيران وإسرائيل ترغبان في تحويل سورية إلى كيانات ومراكز قوى متناحرة، ولكن إسرائيل تشترط أن يكون ذلك مُسيطراً عليه في حين أن إيران لا تمانع من الانزلاق في فوضى عارمة.

ميدانياً:

  • تأسّس واقع عسكري يستطيع تأمين موارد تمكّنه من الاستمرار، وإن كان يفتقد ما يمكّنه من قلب موازين القوى.
  • هناك مناطق محرّرة بمعنى خروجها الكامل من سلطة النظام وإن كان النظام قادر على إيذائها إيذاءاً خارجياً بالقصف (يغلب عليها صفة الطرفية أو الريفية)؛ وإلى جانبها مناطق متفلّتة خارج سلطة النظام ولكن ليست محررة بالكامل، بمعنى وجود جيوب ولاءات وعملاء للنظام.  أما المناطق التي ما زالت تحت سيطرة النظام فإنها تعيش حالة توتّر كبير وعرضة للتفلّت لو غاب القمع لحظات.
  • تأسّس واقعٌ مدني يلأم جراحه ويصرّ على الحياة بما أمكنه ويتأقلم ويُبدع، وهو واقع في تحسّن مسمتر رغم الحال البائس جداً.
  •  ولقد تشكّلت في المناطق المحرّرة مجالس إدارةٍ محلية لتدير شؤون المعاش اليومي، وهي على مستويات متفاوتة من النضوج والتكامل، والخط البياني العام يتجه نحو الأعلى.
  •  الهيئات الشرعية في المناطق المختلفة ولا سيما الريف تقوم بدور حيويّ في تنظيم المجتمع، وإن كانت عرضة للاستلاب من التوجّه الحرفي والتنطع الفقهي؛ وهي متعاونة مع باقي القوى المدنية في أغلب الحال ومتنافرة معها في بعض الحالات الأخرى.
  • صورة المناطق المحررة والمتفلّتة على درجات مختلفة جداً من الاستقرار وجميعها يعاني صعوبة العيش.
    • الأرياف التي عانت دوماً من التهميش تعيش حياة حرة في ظروف صعبة للغاية.
    • المدن أيضاً تعاني من صعوبات الحياة، وتحدّي الأمان وتنظيم الحياة فيها أشدّ من الأرياف.
    • شهدت حلب تشكل المجلس المحلي انتخاباً من عدة قطاعات انتخابية، وقامت فيها جهود مدنية حثيثة لتنظيم حركة الحياة، ويوازي ذلك خراب ونهب للبنية التحتية ونشاط للعصابات المسلحة التي تعكّر الجو بامتهانها السرقة.
    • أما مدينة إدلب التي يغلب أنها في طريقها إلى التحرّر الكامل فهي أحسن حالاً.
    • ومدينة دير الزور وقعت رهينة تنافر عشائري وانتهازية موالية للنظام حرمها من تحرّر هو قاب قوسين أو أدنى.
    • يمكننا القول إنّ الوضع في درعا في طريقه إلى الاستقرار رغم كل الصعوبات.
    • محافظتا الحسكة والرقة تتابعان حياة الاكتفاء الذاتي والانعزال عن باقي مناطق البلد.
  • تعيش حمص حالاً أشبه ما يكون بحال البوسنة.  معركة القصير يغلب أن تميل فيها كفة النظام وأعوانه، ولكن الحسم النهائي مشكوك به، وستبقى المنطقة الوسطى رهن مواقف متضاربة على المستوى الدولي، ورهن ما يمكن أن تقدّمه القوى الثورية من نصرة لهذه المنطقة.
  • حماة تعيش حالاً حرجاً جداّ، والتركيز عليها ليس منفصلاً عن هدف منع المنطقة الوسطى من الخروج من قبضة النظام.

  • دمشق و الساحل يعيشان حالة عالية من التوتّر والترقّب الحذر، ما عدا طرطوس التي تجري فيها الحياة على نحو طبيعي كامل والتي ازداد فيها عدد السنة من المتموّلين الذين هبطوا إليها.
  •  التناقضات الريفية المدينية حاضرة في أكثر المحافظات وإن كانت متفاوتة في عمقها.  وحلب شهدت أشدّ التناقضات وهي تتناقص باستمرار، ودمشق إلى الآن حالت دون تأسّس التناقضات.

التحديات التي تواجهها الثورة بكل فصائلها هائلة، وليس مبالغة القول إن الثورة المباركة تواجه تناقض أولويات كافة القوى الدولية والإقليمية، وتتلّظى بمواقفها ومخاوفها.  ومع ذلك، أفرزت الثورة حالاً إقليمياً غير قابلٍ للانتكاص برغم ما يمكن أن يتعرض له من انتكاسات.  وبقدر ما يُحجم المجتمع الدولي عن دعم الثورة يمتدّ نطاق أثر الثورة ويعظُم أثرُها.

ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله…

Tagged: , , , ,

One thought on “الحال الثوري عند منعطف خطير

  1. Samir Twair 2013/06/03 عند 9:47 ص Reply

    GOOD ANALYSIS. YOU SHOULD PUBLISH IT IN “WATAN” ARAB NEWSPAPER OR ‘AL ARAB’ NEWSPAPER.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: