Tag Archives: الطائفية

وتظنون الظنونا

وفاءً لثورة الكرامة ينساب قطْرُ القلم ليتشرّف في محاولة إضاءة أحوالها في يوم ذكراها، ثم يستحي ويكاد ينضب دمعُه حين يدرك أنه ينعم بأمانٍ يفتقده فقداً شديداً كثيرٌ من الأطفال والأمهات والشيوخ والرجال والمستضعفين.

إقرأ المزيد

ميلاد أمة -5: التصميم الطائفي لدول بلاد الشام

ابتُليت بلاد الشام بأسوأ مزيج من الكيد الاستعماري.  وكما هو معروف، تركّز الطريقة الإنكليزية على وضع ترتيبة هيكلية ورسم حدود تتفجّر المشاكل منها فيما بعدُ.  هذا ما فعلته في إفريقية، وهذا ما فعلته في تقسيم أرض البشتون بين باكستان وأفغانستان، وهذا ما شاركت بفعله في الشام من حدود مصطنعة وفي تنكّبها عمّا وُعد به الكرد.  أما الطريقة الفرنسية فتركّز على الخلخلة الثقافية واللغوية، وهذا ما فعلته في الجزائر وفي بلاد غرب إفريقية.  وابتُلِــيت سورية بكلا الكيدين.

آثار الحملات الاستعمارية الاستخرابية أمرٌ معروف، لكن تغيب عن الذهن حقيقةُ ظاهرة ربما بسبب حضورها الصارخ.  اتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور لم يقسّما أرض الشام فقط، وإنما أنشآ دولاً تحت سيطرة طائفية.

  إقرأ المزيد

ميلاد أمة-6: خاتمة

وبعد، فقد كتبتُ في موضوع يصعب أن ينجو المرء فيه من اللوم فيما فعل.  وليس هذا الذي يهمّني بقدر ما يهمني عدم إساءة الفهم.  ولقد بذلت جهداً أن تكون العبارات دقيقة، ولكن أنّى للعبارة ألا تخون قصد الكاتب، وأنّى لها أن تخاطب في آن حساسيّات كل أطياف القرّاء.  ويعرف الكُتّاب أنّ من يريد ألا يوجّه إليه أي انتقاد –ولو كان غير عادلٍ وفي غير مكانه- عليه أن يكفّ عن الكتابة ولا يتكلّم في موضوع ذي شأن.

وسوف يصِف الحداثيون المثاليون منطق الرسالة بأنه “طائفي” لأنه عالج مسألة الطائفية بلغة غير اعتذارية.  ولكن أفضل ما نقوم به من أجل السلم الأهلي في هذه المرحلة الحرجة هو عرض أفكارنا ومشاعرنا ومخاوفنا “على المكشوف” وبأدبٍ، لكن بدون مداورةٍ ولا كثير مداراة.  فثمة مشكلة طائفية في سورية لا شك، ولا بدّ من أن تواجهها المجموعات المختلفة من أجل أن تفهم آلام وآمال بعضها بعضاً.

وكأي تحليلٍ علمي فإنه يُـقدّم دقة العبارة على مراعاة مشاعر الناس، فالكتابة الجادّة ليست من نوعِ خطب المجاملة في العلاقات العامة.  وعلميّة أي معالجةٍ لا تعني أنها نهائية، بل يرِد فيها التعقيبُ والاستدراك.  ويمكن للكاتب أن يتحاور مع من يعقّب ويستدرك، غير أنه لا يوجد كثيرٌ من الفائدة في الحوار مع من يرفض مسلّمات طرحٍ ما.

مسلّمتان اثنتان شكّلتا ناظم التحليل في هذه الدراسة:

الأولى أنّ منطقة بلاد الشام وما حولها والمنطقة العربية عموماً تتمتّع بخلفية حضارية تاريخية مسلمة.  والفرض المستبطن هو أنّ هذه الخلفية هي ذات قيمة كبيرة بغضّ النظر عمّا يعتري التاريخ والتجربة البشرية من أخطاء.  والفرض المستصحب معها أنّ عامة الشعب السوري –وإن كان ليس كلّه– يحترم هذه الخلفية ويريد أن يعيش على نحو أو آخرٍ مستظلاً بظلالها.

المسلّمة الثانية هي أن الفلسفة الغربية للاجتماع لا تناسب مجتمعاتنا العربية المسلمة.  ولا يعني ذلك إجراء قطيعة مع التجربة العالمية، وإنما رفض نجاعة استيرادها على نحوٍ آليّ قسريّ.  ولا تعيش مجتمعاتنا العربية منقطعة عن تيارات الثقافة العالمية، بل تتفاعل مع معطى الحداثة وما زالت تنسج لنفسها من عناصر الحداثة ما تراه مناسباً.

ومن لا يقبل هاتين المسلّمتين –برغم كثرة الشواهد عليهما– سوف يصطدم مع كثيرٍ من تفاصيل الدراسة أو يحمّلها غير ما أُريدَ منها.

ويمكن لسوء الفهم أن يأتي من الطرفين، الموافق والمخالف.  ويحسن الانتباه إلى أنه جرى استعمال عبارة “الحضارة” لأن المعطيات الحضارية تكون عادة نتاج مجموع فرق المجتمع.  كما جرى استعمال عبارة الخلفية “المسلمة” وليس الإسلامية لكي يؤخذ البُعد الثقافي بالحسبان وما يضمّ من رحابة التأقلمات.  ويعني ذلك على الصعيد السياسي أنّ قيم الإسلام أو التاريخ الحضاري للإسلام يشكّل مخيالاً وطنياً لا يمكن تجاوزه.  وهذا بالضبط هو محلّ إشكالية الطروح النخبوية الأقلوية.  ومن جهة أخرى، لا تعني الإشارة إلى الخلفية الحضارية الإسلامية التي استبطنت الدراسةُ محوريّـتها أنّ كلّ أفراد الشعب السوري يعشق مجالس المشايخ وينصاع لآرائهم وفتاويهم، كما لا تعني أيضاً أنّ غالبية الشعب هي من صنف أعضاء الجماعات الإسلامية تلتزم بمعتقداتها الحركية أو نظامها التربوي.

وإذا أخذنا المسلَّمتين معاً، فلا يعود هناك معنى لأكثر اعتراضات الطرح العَلْماني.  والسبب الجوهري لعدم وجاهة الاعتراضات أنها تضع الخلفية الحضارية المسلمة ندّاً للتفاعل مع الحداثة وما آلت إليه أوضاع الاجتماع البشري، وتقدّس الرؤية الحداثية اللبرالية ولا تقبل تفنيد منطلقاتها.

ويدّعي الطرح الحداثي المحض أنّ استصحاب الهويّـات الدينية معناه تطييف المجتمع.  هذا واردٌ في الفهم المغلق للإسلام في بعض المؤلّفات المختصرة. ولكن أمهات الكتب في تراث المسلمين فيها رحابة لاستيعاب الآخر ما لا يدريه أصحاب الطرح الحداثي (وربما يغفل عنه بعض المسلمين أيضاً). ودع عنك ما في بطون الكتب، فالممارسة المسلمة على مرّ الدهور بدون استثناء شاهد على رفعة نظامها الاجتماعي التآلفي.

وعلى كل حال، ليس ثمة أي دليل على أنّ الطروح غير الدينية هي أقلّ تطييفاً.  فمثلاً، ليست القومية ببعيدة عن العنصرية إذا فُهمت على وجهها الأوروبي من الاجتماع وفق مفهوم دولة-شعب؛ ولذلك قلنا بمحورية العروبة بمعنى بُعدها الثقافي والذاكراتي وفي عمقها اللغوي، ورفضنا القومية العربية بالمعنى التعصّبي.

كما يدّعي الطرح الحداثي أنّ الدّين يدعو إلى انقسامات عمودية معقلها الهويات، مكان الانقسامات الأفقية التي تجري موازية للأحوال المعيشية للناس في مجتمعات الحداثة.  وفي هذا أيضاً قصورُ فهمٍ لواقع الحداثة واختلاف سيرورة نشأة مجتمعاتها، وفيه تسليمٌ بعالمية النموذج الأوروبي.  وذلك لأن النظرة المتفحّصة تظهر أنّ هنالك فروقاً كبيرةً في تطبيقات هذا النموذج، كما أنه لم تختفِ الانقسامات العمودية والفئوية في تلك المجتمعات، بل تضخّمت بالإضافة إلى حضور الانقسامات الطبقية والمصلحية.

وختاماً، ينبغي التأكيد على أنّ الارتباط الوجداني بالحضارة الإسلامية لا ينافي –بل يمكن أن يحفز- فكرة الاحتفاء برابطة الوطن والتعايش المشترك بين الفئات المختلفة للشعب، تعايش سلمي رحماوي.  كما أنّ استصحاب نسق الحضارة الإسلامية ليس فيه رفضٌ أصلي لتنظيم المجتمع وفق أساليب معاصرة ومؤسسات مدنية ثبتت نجاعتها، ولا يتعارض مع فكرة جريان القانون بالتساوي بغضّ النظر عن التصنيف المجتمعي؛ إذ يتحرّك العقد الوطني على صعيد الحياة والعيش الفعلي المشترك. وإن عالَم المخيال والدوافع والقيم يدخل حيّز السياسة من ناحية الوجهة وما يراد للآليات الديمقراطية أن تصل إليه، وليس من الناحية الفنّية للآلية السياسية.

ميلاد أمة-4: من مِلل إلى أقليات: ج) حالة العلويين النصيرية

ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي

نتابع حديثنا عن المجموعة الثالثة التي ساهمت في أقلَنة المشهد السياسي الاجتماعي السوري، ألا وهي المجموعة التي يُطلق عليها في سورية اليوم اسم “العلويين”. ولكن ثمّة ضرورة علمية لاستعمال اسمهم الأصلي “نصيرية” أو اسم “العلويون-النُصَيريّة” لتفريق حالهم عن حال العلويين التُرك (في تركيا هناك فرقة تدعى “علوية” وتشابه الإسماعيليين نوعاً ما، وهناك فرقة أخرى تدعى “نصيرية” تسكن في ولاية هاتاي/إسكندرون)، ولكيلا يختلط الأمر على القرّاء العرب وخاصة القرّاء من المغرب العربي. وأولاً وآخراً ليس لهذه الفرقة علاقة مع سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا دينه، وكانت فرنسا ساعة الانتداب هي التي أطلقت عليهم هذا الاسم الجديد.

ولا يفوتني أن أشكر الأخوة الأربعة الذين راجعوا هذا الموضوع الحسّاس، وأشير إلى أنّ اثنين منهم من المنطقة الساحلية.

  إقرأ المزيد

الربيعُ الشاميّ و التشيّعُ و الفرصُ التاريخيّة

في غمرة التلاطم السياسي وفرز المواقف التي قدحتها ثورة الشام، تستعر اليوم الاتهامات المذهبية، وأخصّ منها بالذكر الاستقطاب السني الشيعي.  وليس هدف هذا المقال المختصر المساهمة في تأجيج الخلاف في هذا الموضوع وإنما زيادة تبيان جوانبه، قادني إليه التفكّر في مسألة أدلجة المبادئ الدينية وفي أثر مسيرة الثورة الشامية على تمحيص الدعاوى الشيعية بالخصوص، فللساسية طريقتها الخاصة في امتحان الإديولوجيات.  والأهم من ذلك أن معالجة هذا الموضوع توضح أننا نواجه فرصاً تاريخية قد فات بعضها وما زال بعضها الآخر رهن الاختيار.

للتشيع ثلاثة دعاوى كبرى في الاستدلال على المذهب: النصوص الدينية، والمظلومية التاريخية، والثورية السياسية.  جاذبية هذه الدعائم الثلاث تراجعت أمام عبق الربيع العربي، واهتزت وتضعضعت بعد الربيع الشامي.  وفيما يلي مناقشة مختصرة لهذه الدعائم وكيف تأزم حالها بسبب ما أضاءته ثورة الشام وما وضعته في كفّة الميزان.

إقرأ المزيد

تعقيبات أولية على مقال يرى الحل في الاستهداف الطائفي

4/10/2012
عرض المقال تطور الجهد العسكري وأزمته الكبيرة في غياب قيادة محكمة جامعة وفي تكتيكاته.

كما أكد على أنه “زادت كمية القذائف المضادة للدروع والتي نجحت في تحويل بعض المناطق إلى مقابر لها”

وجزم بإن “كل المراجعات التي يمكن لباحث أو مراقب القيام بها في العمليات العسكرية… لن تفضي إلا إلى توصية واحدة مفادها أن الأرض المحررة تمر من الأجواء المحررة”

إقرأ المزيد

الطيِّ السليم لصفحة التاريخ

1/4/2011

لا يمكن لمراقب الواقع السوري أن يفوته ملاحظة الرغبة الأكيدة للشعب في العيش بسلام بين جميع مكوناته. وإذ تمثلت هذه الرغبة بتصرفات حكيمة على أرض الواقع برغم الظروف الحرجة أو بسببها، فإنها أيضاً صيغت صياغة جامعة على يد النخبة، سواء فيما أصدره مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، أو فيما أعلنه موقع الانترنت للثورة السورية.

إقرأ المزيد

ملاحظات منهجية تجاه تفسير ظهور الأعاجم

28 ذي الحجة 1430/15 ديسمبر 2009

ما هو حكم الخوري في الإسلام؟ سُئلت هذا السؤال حقيقة، ولا شكَّ لم يكن الجواب سهلاً وإن كان هناك مجموعة كبيرة من الأجوبة التي يستجرّها مثل هذا السؤال الضبابي. إذ قد يُجاب بأن الخوري (عادي) لأنه مواطن في بلد عربي، أو أنه (رجل دين) محترم، أو أنه مثل كل رجال الدّين يدعون إلى الخرافة في عصر التكنولوجية. وقد يستجرّ هذا السؤال المُشكل خطبةً عن التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين أو خطبة عن الحروب الصليبية، وقد يرد ذكر فارس الخوري وأنه كان شخصية سورية مرموقة.

إن قصدي من إيراد هذه الحادثة الطريفة الإشارة إلى أن جودة السؤال تسمح بتفهم المشكلة، في حين أن سؤالاً مختلطاً قد يزيد الاختلاط اختلاطاً. وقصدي من إيراد الحادثة هو الإشارة أيضاً إلى أن الجواب السديد غير ممكن إذا لم يُعرف المطلب الذهني والفئة التحليلية اللتان يمكن استعمالها عند الجواب.

وباستحضار ما سبق يمكننا تفحّص سلامة الجدال الذي يجري حول الدورين الإيراني والتركي في المنطقة العربية… إقرأ المزيد

مفاهيم بديلة لتحليل التوتر السني الشيعي

6 جمادى الآخرة 1428 /  24  حزيران 2007

ماذا عسى أن يكتب المرء في هذا الموضوع بعد أن تطور الاحتكاك السني الشيعي، الذي يمكن أن يفهم ابتداء أنه احتكاك طبيعي لاختلاف وجهات النظر… ماذا عسى أن يكتب وقد تطور الاحتكاك إلى عنف بشع اُستحلت فيه المحارم واُرتكبت فيه أخس الجرائم، ولم تنج منه حتى المساجد والجنائز. ماذا عسى للمرء أن يكتب في هذا الخلاف وقد مضت عليه القرون وأهل العلم والمسؤولية غافلون يحاولون حل الخلاف بتجاهله، إلا ما كان من مناظرات ومراجعات متمحورة حول نفسها لا ترتق خرقاً ولا تُبرئ جرحا.

إقرأ المزيد