ميلاد أمة-4: من مِلَل إلى أقلّيات:
أ) حالة المسيحيين: العروبة والوطنية
نناقش في هذه السلسلة مسألة الهويات وتشكّلها في دولة سورية الحديثة. وبعد المقدّمات العامة التي ذكرناها في الحلقة السابقة، نركّز في هذه الحلقة على الحالة المسيحية خاصة.
الحالة المسيحية حالةٌ كان قد انطبق عليها وصف الملّة في العهد العثماني. وكما رأينا، المجموعة المسيحية هي التي تبنّى خطابُ مفكّريها القومية العربية ثم القومية القُطْرية. وبعد ذلك تطور الطرحُ ليشمل اشتراط الامتياز الوطني للمسيحيين شعوراً منهم بفقدان الحمى القديمة التي تمتّعوا بها عملياً تحت النظام العثماني في كنف الترتيبة القديمة للمجتمعات قبل الولوج في نمط الدولة الحديثة المرتكزة على الفرد لا الجماعة.
ولا بدّ ابتداءً من التذكير بأنّ للمسيحيين مساهمات مميزة وبارزة في البوتقة العربية. وليس هنا مقام الإشارة إلى موقعهم في العهدين الأموي والعباسي كشعراء وأطباء وإداريين ومستشارين، وذلك لأنّ الإشكالية التي نعالجها هي إشكالية مجتمع الحداثة وإشكالية فترة ما بعد الاستعمار. المسألة التي نُخضعها للتحليل ليست مسألة انسجام المكوّنات قليلة العدد مع المجتمع ولا المساهمة الفاعلة فيه، وإنما مسألة طبيعة هوية الاجتماع لهذه المكوّنات، وخصوصاً من أيام تفكّك النظام العثماني وظهور أطروحتان للتشكيل الجديد للهوية الجمعية: العروبي المسلم والقومي العربي كما سبق التفصيل فيه.
إقرأ المزيد ←