Tag Archives: الربيع العربي

ملاحظات أولية حول الغارة الإسرائلية

القصف الإسرائيلي لمواقع في دمشق خالف النسق الذي التزمت به إسرائيل من قبل، غير أن ثمة اعتبارات جعلته خياراً راجحاً بالنسبة لها وللدول القادرة.

  1. الضربة الإسرائلية لا يقصد منها إزالة النظام، بل توجيه عدة رسائل فحسب.  ولا شك أنها تخلط الأوراق.
  2. وكانت إسرائيل قد أعلنت منذ أوائل الثورة أنها لن تتدخّل ما لم يتجاوز النظام السوري الخط الأحمر في نقل قوة سلاحية إلى حزب جنوب لبنان تمكنّه من تحسين وضعه بما يتجاوز ما قد تفاهم عليه مع إسرائيل أو خشية وقوع السلاح بأيدي الثوار.  ومن وجهة النظر هذه، ليس مفاجئاً ما قامت به إسرائيل، وإن مثل شذوذاً عن القاعدة العامة التي التزم بها مع نظام أخلص في حفظ أمن إسرائيل.
  3. إن الانحسار الاستراتيجي للنظام وتضيّق خياراته في مواجهة قوى التحرير الوطني –برغم القوة التدميرية للنظام- جعلته باستمرار يحاول الهروب إلى الأمام.  ومثل كل محاولات الهروب إلى الأمام، تصل إلى جدارٍ ترتطم به عندما تتجاوز محاولات الهروب هذه نطاق المناورة المقبولة والتي يمكن السيطرة على نتائجها.
  4. مثّلت هذه اللحظة فرصة استغلتها إسرائيل لتعيد تموقعها على خارطة القوى.  وإذ تعرف إسرائيل أنها لا تستطيع الانتصار في مواجهة مقاومة ملتحمة شعبياً، فإنها تعرف أنها تستطيع توجيه ضرباتٍ لنظمٍ عسكرية نظامية، ولا سيما إذا كانت هذه النظم لا تمثّل إرادة شعبها.
  5. إن صمود الثورة السورية وتغييرها للتوازنات الإقليمية لم يسمح للقوى العالمية الاستمرار بالنأي بالنفس واضطرها لقرار التعامل مع الثورة من أجل تخفيف أضرارها على مصالح هذه القوى.
  6. بسبب استمرارية الثورة وصبرها وانتفاء احتمال انطفائها، انتقلت الولايات المتحدة الأمريكية من موضع المراقبة البعيدة ومحاولة خنق الثورة، إلى اتخاذ التدابير الاحتياطية خشية التأثير على مصالحها، إلى التفكير بالدعم النوعي كإجراءٍ قد لا تجد منه مهرباً من باب تبنّي خيار أخف الضررين.
  7. الضربة قامت بها طائرات أمريكية الصنع وتكنولوجيا أمريكية وبمعرفة أمريكية.  كان بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية القيام بهذه الضربة بسهولة، غير أن شعبها ليس مهئياً لذلك، وغالبيته تعارض مجرد فكرة التسليح كما تظهر المخططات أدناه.  والأهم من ذلك أن قيام الولايات المتحدة بالضربة صراحة يناقض استراتيجية الانفكاك العسكري التي تبنّتها إدارة الرئيس أوباما.  فالهجوم الإسرائيلي -المصادق عليه عملياً من واشنطن- يمثّل مخرجاً مناسباً لا يُحرج الإدارة الأمريكية في أنها غيّرت استراتيجيتها، ويحقّق بآنٍ هدفها من محاصرة الآثار الإقليمية للثورة.
  8. هناك دوماً احتمال حدوث تطورٍ مفاجئ للثورة خارجاً عن حسابات القوى الدولية، مما يتطلّب من الولايات المتحدة التدخّل لحماية مصالحها التي هدّدتها الثورة.  وفي هذا السياق، قيام إسرائيل بالضربة يفتح باباً للتدخّل الأمريكي -إذا لزم الأمر- مبرراً بقصد حماية إسرائيل.
  9. اختيار إسرائيل القيام بالضربة يعطي مادةً للنظام لتشويه صورة الثورة أكثر مما لو قامت بهذه الضربة الولايات المتحدة الأمريكية.

10. الأفعال الشنيعة للنظام سلب من المجموعات القومية المناصرة له مساحة أخلاقية للتحرك.  واختيار إسرائيل لتقوم بالضربة يقدّم مبررات إديولوجية مجانية للدعاوى القومية، ويساعدها على تجنيد ما تواجه به الثورة، في الحاضر وفي المستقبل بعد نجاح الثورة.

11. إذا لم تردّ إيران أو حليفها اللبناني خلال أربع وعشرين ساعة (وهذا هو الأرجح)، يعني أن تفاهماً مضمراً قد توصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران، مما يمهّد للأولى الضغط باتجاه التفاوض (وفق صيغة جنيف).

5/5/2013

ميلاد أمة-4: من مِلَل إلى أقليات: مقدمات

تحدثنا في القسم الأول عن محاولات التحديث العثمانية التي ترافقت مع تأزّمٍ في الهويات الجمعيّة.  ثم بيّنا في القسم الثاني كيف ظهر التوجه العروبي كمشروع سياسي للمسلمين العرب، وتلاه ظهور التوجه القومي العربي الذي نحّى الخلفية الحضارية المسلمة وتنكّب للروح التاريخية لمنطقة بلاد الشام. القسم الثالث أشار إلى أنه ما لبث أن حدث انزياحٌ في التوجه القومي العربي نحو الرؤية القُطْرية، انزياح يظهر في الخيارات السياسية أكثر منه في الخطاب، وهو الانزياح الذي افتُتنت به خصوصاً المجموعات غير المسلمة.

يناقش هذا القسم الرابع إشكالات الانتماء الجمعيّ والهوية عند المجموعات قليلة العدد في سورية لما بعد الاستقلال.  وقبل الخوض في تفاصيل المجموعات الثلاث التي تشملها هذه الدراسة (المسيحيون والكرد والعلويون-النصيرية)، سوف تتمّ الإشارة إلى مفهوميّ الـهُويّة والأقلـيّة، لأنهما يتعلّقان على نحوٍ كبير بمنهج التحليل المتّبع في بقية الفصول.

  إقرأ المزيد

ميلاد أمة-3: النزعة القُطْرية

عرض القسم الثاني من هذه السلسة توجهين نحو مسألة العروبة، الأول عروبيّ مسلمٌ، والآخر قوميّ محض طاردٌ للخصال الإسلامية في خلفية الأمة أو ضائقٌ بها ومستبدلٌ لها بخصالٍ حداثية أوروبية.

وبرغم أنّ القومية العربية ومفاهيم الوُحدة اجتذبت في بادئ الأمر النخبَ المستغرِبة والطوائف بعد الانفراط العثماني، حيث وجدت فيها بديلاً مقبولاً عمّا تكرهه وتمجّه، إلا أن هذه النخب انزاحت بالتدريج من البُعد العربي الجامع إلى الحيّز القطري الضيّق، بعد أن وجدت أنّ الصيغة العربية سوف تغمسها مرة ثانية في بحرٍ عربيٍ مسلم؛ والنبرة القُطْرية مستمرة إلى اليوم.

  إقرأ المزيد

ميلاد أمة-2: التوجهان العروبي الإسلامي والقومي العربي

كان للحقبة الأخيرة من العهد العثماني أهمية خاصة في تشكّل الهويات في الفترة التي تلتها، أي فترة “الاستعمار” ثم الاستقلال. فلقد دفع رفض سوء الإدارة العثماني والظلم الذي انتشر في عهد الاتحاديين الأتراك بعد ترهّل الإمبرطورية إلى ظهور فكرة الرابطة العربية. وتَشكّل فهم العروبة على نحوين: فهمٌ لرابطة عروبية مجاورة للرابطة الإسلامية، وفهمٌ عربي قومي رافضٌ للرابطة الإسلامية ويريد استبدالها برابطةٍ قومية ضمن مفهومها الأوروبي شعب-دولة. وكما سنرى، اتفق هذان الاتجاهان في العنوان الكبير في مرحلة تشكيل الهوية الوطنية غير العثمانية، ألا وهو وحدة العرب، واختلفا فيما عدا ذلك. ولقد ظهر هذان التوجهان تقريباً بالتسلسل التاريخي الذي سيتمّ عرضه.

إقرأ المزيد

ميلاد أمة-1: إشكالية الهويات منذ الأفول العثماني

إنّ أعمق تجلّيات الثورة السورية هو رفض الاغتراب الثقافي وتناقضاته لقرنٍ من الزمن. وينبغي ألا تُفهم الانتفاضة الضميرية على أنها مجرّد انتعاشٍ للهوية سرعان ما يتلاشىٰ؛ بل هي عزمٌ أكيدٌ يعمل على مستوى الشعور واللاشعور في آنٍ. وإن أصدق ما يعكس عمق الهوية وتعاليها نداءان للثورة: النداء المبكّر في الفترة السلمية المحضة “إلىٰ الجنة راحين شهداء بالملايين…”، وكانت جموع المتظاهرين تسقط فعلاً برصاص النظام الوحشيّ، النداء الثاني هو: “ما لنا غيرك يا الله” بعد معاينة التخاذل العالمي والعجز العربي.

لم تكن هذه مجرّد شعارات، فالشهادة هي شهادة آنيّة ثمناً لفعلٍ غير مُرجأ يتفتّق أمام أعيننا. إنه الاتكال على الله وحده اتكالاً صدّقه الفعلُ بالاستمرار الواثق رغم الظروف القاهرة.

ولم تكن هذه النداءات وأمثالها تصنيعاً مؤدلجاً من قيادةٍ ثورية، وإنما زفرات إنسانية وفطرة ثقافية وحقيقة تعكس الحالة الوجودية للنفس والعقل الجمعي، وتصلح حقاً أن تكون حوصلة أنثروبولوجية مفسِّرة للحال الثوري.

إقرأ المزيد

ميلاد أمة في خضم التفاعلات الحضارية والجيوسياسية

ميلاد أمة في خضم التفاعلات الحضارية

في الذكرى السنوية الثانية لثورة السوريين المباركة يليق بالتحليل أن يرتقي إلى الآفاق الرحيبة للانبعاث الحضاري الذي تمتلكه الثورة، تلك الآفاق التي تشير إلى وجهتها العامة وتدلّ على نسق خياراتها في التشكيل المجتمعي والثقافي والمؤسسي.  كما أنه يليق بالتحليل أن يرصد البيئة الجيوسياسية المحيطة بالثورة، تلك البيئة التي بآن تشكل كمونه القابل للاســتثمار و ترسم له حدود الإمكان.

وتنتفض البلد اليوم ليس كسورية بحدودها السياسية المعروفة، وإنما شاماً بفضائه التاريخي.  وما تخوّف العروش القُطْرية المحيطة بسورية قلب الشام إلا تعبير عن هذا، كما أنّ (فزعة) الدعم المدني من خارج الحدود الرسمية لسورية –بغض النظر عن طبيعتها وألوانها- هي أيضاً ليس إلا مظهر من مظاهر ارتباط الثورة بالتشكيل الجديد لشخصية الأمة.  وكثير من التفسيرات السياسية لا تحيط بأعماق التغيير الحاصل، وإنما تفسّر سيرورته العملية، وما كانت هذه السيرورة لتتخلّق لولا وجود الانتماء الحضاري.  غير أنّ الحضاريّ لا يفسِّر القرارَ والموقف السياسي، وإنما يفسّر أو يضيء خلفية ترجيح خيارٍ سياسي على آخر فحسب.  ولكنّ القرار السياسي في النهاية مرهونٌ بكمون الحضاري وآفاقه، وإذا خالفه أو لم يرعه دخل نفق العجز والفصام النكد.  والقرار السياسي مقيّد أيضاً بحدود ما يسمح به الجيوسياسي، وإذا عارضه أو تجاهله توقّف في ساحة المحال.

وسوف يتكئ التحليل على تطوراتٍ تاريخيةٍ مهمةٍ حلّت بمنطقة بلاد الشام وما حاذاها، إلى جانب تطورات سياسية معاصرة، مُذكّراً بها ومشيراً إلى مفاصلها من غير الخوض في تفاصيلها[1].

د. مازن هاشم


[1]   كمرجع تاريخي عام انظر: ألبرت حوراني.  تاريخ الشعوب العربية.  ط 2، نوفل، 2002.

ميلاد أمة في خضم التفاعلات الحضارية والجيوسياسية

ميلاد أمة-1: إشكالية الهويات منذ الأفول العثماني

ميلاد أمة-2: التوجهان العروبي الإسلامي والقومي العربي

ميلاد أمة-3: النزعة القُطْرية

ميلاد أمة-4: من مِلَل إلى أقليات: مقدمات

     أ) حالة المسيحيين: العروبة والوطنية

     ب) حالة الكرد: المخيال القومي وتأزمه

     ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي

ميلاد أمة-5: التصميم الطائفي لدول بلاد الشام

أبواب دمشق السبعة: مفاتيح العاصمة خارجها

ملخص

في حين تتوجه الأنظار إلى دمشق للحسم من خلال تصعيد المواجهات المسلحة فيها، يشير التحليل الهادئ إلى أنّ هناك شروطاً ينبغي أن تتحقّق قبل الشروع في هذا الهدف الطموح.  ويمكننا القول إنّ هناك سبعة أبعاد مطلوب استيفاؤها قبل التفكير في اقتلاع النظام من دمشق.  اثنان من هذه العوامل يتعلقان بحلب، حيث يُطلب من الثورة أن تبرهن أنها قادرة على إدارتها، كما يُنتظر من حلب أن تعود عافيتها الاقتصادية لتحمي كل سورية من السقوط في وهدة عميقة تسبّب تبعية اقتصادية واعتمادية طويلة الأمد.  البعد الثالث هو تطوير خطاب إعلامي للثورة يتّسم بالنضوج ويستكمل عدّته ويؤسّس منافذه التي يخاطب بها عامة الشعب.  وصياغة هذا الخطاب في مرحلة استشراف النهاية مهمّة دقيقة بسبب زيادة الاستقطاب في المواقف، كما تحفّها التحدّيات بسبب الانتقال من هدف واضح يبدو بسيطاً –إزالة النظام- إلى هدف مركّب يتعلّق ببناء نظام جديد.  أما البعد الرابع فيتعلق بالائتلاف الوطني وضرورة زيادة ارتباطه بالثورة.  وإذ لا ننكر ضرورة التحّرك في الساحة السياسية الإقليمية والدولية رغم ما تفرضه من تحدّيات، يبقى الحراك الثوري الداخلي هو الرصيد الأثمن الذي ينبغي أن يعتمد عليه الائتلاف، برغم كل الحدّية وعدم المرونة التي يبديها هذا الحراك.  البعد الخامس يتعلّق بمنطقة حمص وكونها عقدة استراتيجية مهمة.  فزعزعة قبضة النظام على المناطق المحيطة بحمص هدف حيويّ جداً لأنه يتعامل مباشرة مع خطّة النظام في تهييء حمص والمنطقة الساحلية لتكون منطقة نفوذ مطلق له.  وخطورة هذا الأمر على سورية كدولة واضح، والسعي نحوه يترافق مع تكثيف عمليات التطهير الطائفي هناك.  البعدان الأخيران يتعلّقان بأرض حوران وضواحي دمشق وريفها.  درعا وامتداداتها الشمالية نحو العاصمة يُمكن أن تغيّر ميزان القوى وتربك الاستراتيجية الحالية للنظام التي عمد فيها إلى عزل ما يجري خارج العاصمة عنها.  وبدل أن يتوجّه الجهد العسكري في ضواحي دمشق نحو المركز، يبدو أن الأولى ثباته في مكانه وتوجّهه جنوباً لتشكيل أقنية مقاومةٍ ممتدة بين درعا ودمشق.  وإذا كانت درجة تمكّن النظام في دمشق وكثافة تسليحه ومناعة دفاعاته فيها لا تسمح بالحسم، فإنّ التصعيد في العاصمة يرجّح أن يُنهك قوى التحرير ولا يُسهم في الحسم العسكري.  والأرجح أن يقود التصعيد في دمشق إلى مجرّد مزيدٍ من إضعاف للنظام، مما يؤدي بشكل غير مقصودٍ إلى دعم جهود التفاوض والالتفاف السياسي وتحجيم الإنجاز الثوري.

التحليل المفصّل

 إقرأ المزيد 

حلمُ التحرير وميزانُ القوى

ملخّص

لم يدم الترحيب الدولي باستواء الشروط الموضوعية لبدء الفصل الختامي للثورة أكثر من شهر واحد.  فالإنجازات الميدانية الملحوظة والتشكّل السياسي وتوافق قوى إقليمية مهمة كان من المفروض أن يستهلّ مرحلة جديدة.  ولكن على العكس، وليس غريباً في السلوك الدولي ولم يكن غير متوقّع، تحوّل الترحيب إلى تحريك السياسات لمنع الاقتراب من فصل ختامي ترجع فيه سورية لأبنائها.  وعاد العزف على وتر جنيف وما يشابه شروط اجتماعها.  وإذ تبدو القوى الدولية واثقة أن ضغوطها في تجفيف السلاح وخذلان الائتلاف وإهمال اللاجئين وتيئيس الشعب من خلال رسائل الإعلام سوف يُفضي إلى الرضوخ والقبول بالأمر الواقع، فإنّ التفكّر المليّ بالواقع الثوريّ يشير إلى عكس ذلك.  وإنّه من المتوقّع أن تقود المحاصرة الخانقة إلى وضع متفسّخ غير مستقرّ يصبح فيه الوصول إلى أي حلّ أكثر عسراً.

ولطالما توجهت الأحلام إلى حسم الأمر بضربة قاضية للنظام في دمشق، سرعان ما تلاه تفهّم لطبيعة  المواجهة.  ومعلوم أنّ الحراك ثوري في منطقة دمشق حراك مقتدر، إلا أنه يواجه قوة فائقة للنظام، ولا سيما أنّ النظام يتمتّع بقنوات تغذية خلفية متعددة يستعيد فيها ما يخسره.  وبرغم أنّ الحسم من خلال إسقاط السلطة في دمشق بقوة السلاح يبدو مستبعداً من ناحية ميزان القوى العسكرية، إلا أنّ القراءة المفصّلة تُظهر أنّ الوصول إلى أسوار دمشق هو الذي يفتح باب احتمالات أخرى، بما فيها صيغة سياسية مقبولة للثورة ومعقولة في السياق الإقليمي.

واعتلاء أسوار دمشق تحدٍ شاقٌّ معبره تأمين المركز الاستراتيجي في حمص.  وذلك لأن انتزاع منطقة حمص يعزل مناطق مهمة يعتمد عليها النظام في تجنيد القوى البشرية وللتزوّد عبر المنفذ البحري.  الإمساك بمنطقة حمص هو الذي يحوّل دمشق إلى (قلعة الموت) عامرة بالحشاشين وعاجزة عن الامتداد خارج أسوارها، وسرعان ما تحيط بها قوى تخنقها وتجبرها على الرضوخ والمساومة.  ولكن السيطرة الاستراتيجية للثورة على وسط البلاد أمر عسير وإن كان ممكناً، ويأخذ وقتاً طويلاً نسبة للثمن الباهظ الذي ستدفعه المنطقة –علاوة على ما دفعت- ويتعلّق طول المواجهة ونجاحها بمدى المغامرة الإيرانية الحزبلاوية في تلك المنطقة.

وبقدر ما تستمر الدول المهيمنة عالمياً في تأخير سقوط النظام، يصبح إعادة تشكّل سورية السياسية أصعب، ويرجح عندها امتداد رقعة لهيب الثورة لتتصل بما يلتهب ويمكن أن يلتهب في أقاليم الشام المجاورة، لا أن تُسحق الثورة كما تتمنى هذه الدول.

التحليل المفصّل    إقرأ المزيد

الحسم ثلاثي الأبعاد

ملخص

وإذ تتطلّع  النفوس إلى انتهاء محنة الشام بعد قريبٍ من سنتين من الفداء والتضحية، فداء وتضحية واستبسال وثبات أذهل الضمير العربي والإسلامي وكلّ من  عنده فضلة عقل أو قلب…  ظهرت بوادر إمكانية الحسم وإن كان ما يزال تحفّه تحدّيات ليست يسيرة.  ومعادلة الحسم معادلة معقدة ذات أبعاد ثلاثة تتعلّق بالمقاومة المحليّة، وبالتدافعات الإقليميّة، وبالخيارات الدوليّة.  ومقابل القراءات اليائسة التي تقترب من درجة التفسير التآمري أو التفسير الجبري الذي يبثّ روح اليأس والتقاعد، يسعى هذا المقال إلى تقديم قراءة تستحضر العوامل التي تجعل الحسم محفوفاً بالتحديات كنتيجة متوقّعة لطبيعة المعضلة السورية وانعكاساتها الإقليمية.

يرى التحليل التالي أنّ مرحلة الحسم التي وصلت إليها الثورة السورية ذات أبعاد ثلاثة: الحراك الثوري، من وجهيّ القدرة العسكرية وإدارة المناطق المتفلّتة؛ والموقف الدولي؛ والموقف الإقليمي.   وتقاطع فاعليات هذه الأبعاد هو الذي يحدّد المنتج النهائي.  وسأعتبر أنّ المسيرة الثورية مستمرة، وأقلّب النظر في الموقفين الدولي والإقليمي اللذين يعملان معاً ويؤثر واحدٌ في الآخر.  وبناء على ذلك يجري تقدير الناتج المتوقّع (انظر الجدول أدناه).

إقرأ المزيد

التوافقُ هدفٌ والانتخابُ وسيلةٌ

لسببٍ غريبٍ اكتسبت فكرة التوافق السياسي سمعةً غير طيّبة.  وكيف يمكن أن يكون توافق القلوب واتفاق العقول أمراً غير محمودٍ؟!  وتسرّبت هذه الفكرة الغريبة في المقالات التي شخّصت ضعف أداء المجلس الوطني لعدم اعتماده وسيلة التصويت وإنما توافقه على قسمةٍ معيّنة.  وقيل شيئاً قريباً من هذا في تفاصيل تشكّل الائتلاف الوطني وانضمام المجلس الوطني إليه من أنه كان فيها عمليات توافق…   إقرأ المزيد