إنّ أعمق تجلّيات الثورة السورية هو رفض الاغتراب الثقافي وتناقضاته لقرنٍ من الزمن. وينبغي ألا تُفهم الانتفاضة الضميرية على أنها مجرّد انتعاشٍ للهوية سرعان ما يتلاشىٰ؛ بل هي عزمٌ أكيدٌ يعمل على مستوى الشعور واللاشعور في آنٍ. وإن أصدق ما يعكس عمق الهوية وتعاليها نداءان للثورة: النداء المبكّر في الفترة السلمية المحضة “إلىٰ الجنة راحين شهداء بالملايين…”، وكانت جموع المتظاهرين تسقط فعلاً برصاص النظام الوحشيّ، النداء الثاني هو: “ما لنا غيرك يا الله” بعد معاينة التخاذل العالمي والعجز العربي.
لم تكن هذه مجرّد شعارات، فالشهادة هي شهادة آنيّة ثمناً لفعلٍ غير مُرجأ يتفتّق أمام أعيننا. إنه الاتكال على الله وحده اتكالاً صدّقه الفعلُ بالاستمرار الواثق رغم الظروف القاهرة.
ولم تكن هذه النداءات وأمثالها تصنيعاً مؤدلجاً من قيادةٍ ثورية، وإنما زفرات إنسانية وفطرة ثقافية وحقيقة تعكس الحالة الوجودية للنفس والعقل الجمعي، وتصلح حقاً أن تكون حوصلة أنثروبولوجية مفسِّرة للحال الثوري.