قام رئيس المجلس السوري الأمريكي في كاليفورنيا بوضع خبر على صفحة المجلس مفاده أن إسرائيل صوّتت ضد قرار إدانة سورية في الأمم المتحدة. وخلال مؤتمر إسلامي منذ بضعة أيام، ضجت القاعةُ بخبرٍ آخر أذاعه أيضاً هذا الرئيس بناء على معلومة (تيوتر) مفادها أن بشار الأسد تخلّى عن منصبه. وكبّر المحاضر الشيخ الأمريكي المشهور، واستبشر الجمع وهرعوا إلى هواتفهم النقالة. فيما بعدُ أعذر الناسُ الرئيسَ لأنهم يعرفون أنَّ ليس لها باع في السياسية ولأنّ (قلبها طيب) وتتبرع بوقتها من أجل المجلس. ثم حقَّق أخٌ محامٍ من خبر تصويت إسرائيل فلم يثبت ذلك.
ما أدري لماذا لا نلتزم بمنهج نقد المتن والسند؟
من ناحية نقد المتن، إسرائيل منقسمة بين مفضّل لذهاب حكم الأسد وبين مفضل لبقائه. الفريق الذي يفضِّل ذهابه يريد أن يرتاح من دعم النظام لحزب الله والشغب الذي يحدثه، ومطمئن إلى أنَّ الحكم البديل سوف يكون مشغولاً بترميم بلدٍ أنهكه ما أنهكه، وأولوياتُه لا يمكن أن تسمح بالإنفاق على تحديث سلاحٍ قادرٍ على مواجة الآلة الإسرائيلية. الفريق الذي يفضّل بقاء النظام لا يخالف الفريق الأول فيما يذهب إليه، ولكن يحسب حساب التغيّر الثقافي بعد النظام الجديد وإفساح المجال لوطنية المسلمين والسوريين أن تستعيد مكانها.
إسرائيل تعرف كيف توظّف المواقف. الطبيعي أن يرحب الفريق الأول بمثل هذا القرار. الفريق الثاني يرحب به أيضاً لأنه يمكّن من خضوعٍ أكبر للنظام. وبشكل عام، يستثمر اليهود مسألة حقوق الإنسان ليأكدوا همجية العرب والمسلمين. فصحيح أن القرار صدر في حق نظام، لكن لا يلبث الإعلام ثم القصص والكتابات حتى تتكلم بأن ما جرى حقيقة هو من طبيعة الشعب السوري وأنّ مثل هذه التصرفات كانت موجودة من قبل وإن ظهرت على السطح حديثاً.
والذي خبِر السلوك اليهودي في المغترب، يدرك تماماً كيف أنّ أهله لا يقفون في وجه عاصفة، بل يُرهفون حسَّهم لمعرفة اتجاه الريح فيسبقون نحو ذلك. أي أنهم لحظة إدراكهم أن أمراً ما قد توجّه، لا يصرفون الطاقة في معاكسته وإنما في محاولة التأثير عليه وتخفيف الضرر منه (لا ينطبق هذا تماماً على اليهود الأرثوذكس).
تجاه الفظائع التي يرتكبها النظام لا يمكن للسياسة الإسرائيلية الفطنة أن تعترض على القرار، وقصارى ما يمكن أن تفعله أن تمتنع عن التصويت. فاليهود يطرحون أنفسهم في الثقافة العالمية على أنهم الإنسانيون الخلَّص، فكيف يخالفون استراتيجيتهم الثقافية العامة التي خدمتهم أية خدمة.
هذا شيء من نقد المتن السياسي للخبر.
أما من ناحية السند، فما أدري كيف نسمح لأنفسنا نشر خبر بلا معرفة مصدره. أي ليس هناك سند ألبتة! أليس هذا هو عين الخفّة الإيديولوجية؟ يعني لأننا هوينا الخبر وأحببناه رويناه. صحيفة الواشنطن بوست ذكرت أنّ اثني عشر دولة فقط عارضت القرار، (Belarus, Bolivia, Cuba, Ecuador, Iran, Myanmar, Nicaragua, North Korea, Uzbekistan, Venezuela, Vietnam and Zimbabwe) بالإضافة إلى سورية. الصحف الناضجة تتحقّق من معلوماتها تحققاً كبيراً، والذي تتصرف به بحسب توجهها هو تأطير الخبر لا مضمونه المعلوماتي. وبفرض أنّنا لا نثق بالصحيفة، يمكننا الرجوع إلى موقع الأمم المتحدة وقراءة القرار وهو على التفصيل، شملت فيه المناقشات موضوع الحق الفلسطيني والاحتلال وقضية العنصرية.
لقد مضى أكثر من ثماني أشهر على الثورة المجيدة، ولا ينفع أن لا نرتقي للمهمة.
Tagged: الثورة السورية, العملية السياسية
اترك تعليقًا