ما تهمس به إيران في أذن أمريكة

ليس لكِ مصلحة في معاداتنا برغم كل الذي حصل بيننا.

أنتِ تبحثين عن الاستقرار، ونحن دولةٌ مستقرة…

ونحن مؤهلون لنساعدكِ على تحقيق الاستقرار في منطقة شديدة التقلّب.

وإن الدول العربية في الشرق الأوسط ليست جديرة بالاحترام.

فهل هذه الدول قادرة على تحقيق الاستقرار؟

لقد دعمتِ لسنوات طوال دولاً زعمتْ أنها حليفتك، ولكن ما حصدّتِ من صداقتهم إلا الشوك.

فلا أدري يا أمريكة لماذا تريدين الاعتماد على دول فاشلة…

هذه الدول ليس دولاً بالمعنى الكامل…

بل هي تجمعات قبلية وضعت عليها لافتة دولة.

هذه الدول اصطناعية وليس لها امتداد سياسي زمني…

سورية دولة مخترعة حديثاً…

وكذا لبنان والأردن والكويت والعراق…

وهل ليبيا إلا تجمع لمدينتين ممكلتين تفصل بينهما مئات الكيلومترات لا تربطهما بالجنوب رابطة تذكر؟

وهل كان يُجدي إبقاء أجزاء السودان معاً؟

لا شكّ أن الحكمة كانت في تقسيمه إلى كيانات طبيعية.

نحن دولة فارس الطاعنة في القِدم…

نحن دولة جديرة بالاحترام…

هكذا كنّا في التاريخ، وسنبقى كذلك.

*             *             *

ندرك أنه حصل بيننا وبينكِ سوء تفاهم كان سببه نزق الثورة في بدايتها…

لقد تجاوزنا تلك الحوادث وطوينا صفحتها…

ألا ترين أننا تعاونّا معكِ بعدها بجدية؟

نعلم أنكِ دولة قوية جداً ولا قِبَل لنا بك…

نعرف ذلك تماماً، ولا نتحرّش بك إلا لنحظى بانتباهكِ…

غير أننا قوة صغيرة فعالة…

عندنا نفط، وعندنا رأس مال…

وعندنا شعب مثقّف…

العلماء عندنا كُثر، والخبراء أكثر.

لقد قاطعتي بلدنا وضيّقتِ علينا ولم يُفدك ذلك شيئاً…

وبرغم ذلك طوّرنا صناعة عسكرية وطنية قائمة على جهودنا الخاصة…

ونطوّر قدراتنا الذرية لأن هذا هو شأن الدول المحاطة بأعداء متخلّفين يكرهون جيرانهم.

لن تستطيعي سحقنا لا لأننا لا نُسحق وإنما لأننا نعرف حدودنا…

إنك تعرفين أنّ الفتاوى التي نصدّرها والخطب التي ندبّجها هي للاستهلاك المحلي…

أما تصرفاتنا العملية فهي برغماتية…

نحن لا نقع في الفخاخ لأننا ماهرون في صنع الفخاخ.

*             *             *

نحن أبناء السياسة ودمها يجري في عروقنا…

أدبيّاتك تقول إنّ السياسة هي فنّ الممكن، وأدبيّاتنا تقول إن السياسة هي فنّ الكذب…

تاريخنا هو الهدوء والاختفاء عندما نعيش بين من هو أقوى منا…

وإننا لا نظهر إلا عندما نكون متيقّنين من سلامتنا.

لقد آن الأوان أن نحلّ سوء التفاهم بيننا…

فلقد تعاونّا معكِ في أفغانستان وكنا على قدر المسؤولية…

ولقد تعاونّا معكِ في العراق في إسقاط نظام بغداد…

وبررنا بوعدنا وأصدرنا الفتاوى بعدم مقاومتكِ…

وإننا لمتأكدون أنكِ لا تلوميننا على ما حدث بعد ذلك، وإنما تلومين نفسكِ؛ وهذه هي السياسة…

إذاً ليس هناك مبرر لكيلا تثقي بنا في سورية.

*             *             *

إنّ عليكِ الاختيار بيننا وهؤلاء العرب المتخلّفين…

هل تريدين العربان أن يقووا ويظهروا؟

ماذا أفادكِ التحالف مع ممالك النفط العربي؟

من هاجم برجيّ حضارتكِ غير تطرّف ثقافتهم الوهابية؟

إن الشعوب العربية تكرهكِ، أما نحن فلا…

وأنتِ تعرفين ذلك من خلال نتائج الاستبيانات…

وموقف العرب سلبي منكِ بغض النظر عمّا تفعلين…

أما الشعب الإيراني فعنده تحفّظ على بعض سياساتكِ فحسب.

*             *             *

نحن أبناء الحضارة الفارسية…

نحن أهل العلم والفن…

ألا ترين أن الشاهنامة موجودة في بيت كل إيراني؟

وإنه ليسرّنا وَلَعُ مثقفيكِ بشعر جلال الدين الرومي وفلسفته…

لقد بقيت رسالة الإسلام بدوية ساذجة إلى أن أسعفتها مساهمات الثقافة الفارسية…

ومثلما جمعت المسيحية عقائد مختلفة ومزجتها في قوامها، هكذا فعل مذهبنا…

فمذهبنا يخلط الدين مع الفلسفة مع التصوف مع التراث الفارسي، بالإضافة إلى هرمية المناصب الدينية…

وننظر إلى الدّين أنه أداة مناسبة لعامة الناس وبسطائهم.

*             *             *

إننا نفهم معادلات القوة…

ألا ترون انضباط حليفنا حزب الله؟

لقد أثبت نفسه بالقوة أمام إسرائيل، ثم أجرى تسوية وجلب القبعات الزرق، وانتهى الأمر…

إننا نُتقن معرفة الوقت المناسب للتقدّم والتراجع…

نحن اخترعنا العمليات الانتحارية وتركناها لما رأينا أنها لا تجدي…

قارني ذلك بالجماعات الراديكالية السنّية…

نحن سياسيون نستعمل القوة المميتة، ولكننا لسنا عدميين…

ولنا خلايا نائمة في كل البلاد، نستعلمها في الوقت المناسب…

ويمكننا إشعال الاضطرابات حتى في مناطق نفوذكِ التقليدية.

وإننا نستطيع التلاعب حتى بأعدائنا الذين هم مستعدون للموت من أجل إيذائنا…

ألا ترين أن باستطاعتنا التحكّم بردود أفعال الذين لا يرون الأمور إلا حقاً أو باطلاً دون تدرّج؟

فإذا أردناهم أن يلتفتوا شمالاً نقرنا يميناً فيرتكسون شمالاً، والعكس بالعكس.

ليس عندنا لوبي قويّ في أمريكة يشابه اللوبي الإسرائيلي…

لكنْ لدينا خبراء وعلماء كثيرون في حضنكِ…

وهم يشتغلون في جامعاتكِ وفي مراكز التخطيط في واشنطن…

ولذا فإنا نعرفكِ جيداً جيداً…

نعرف كيف تتحركين، ونعرف مواطن ضعفكِ ونعرف ثغرات نظامكِ.

وإننا نحسن التصرّف بالقانون الدولي…

لقد سرّعنا التخصيب النووي وحوّلناه إلى قضبان طاقة، وهذا لا يخالف القانون الدولي…

وبذلك يقترب الوقت الذي نصل فيه نحن وأنتِ إلى حلّ مرضٍ بشأن مشروعنا النووي السلمي.

*             *             *

لا تقولي ما دخل فارس ببلاد العرب، فنحن لن نهدأ حتى نأمن شرّها…

ولدينا مكامن قوة في تلك البلاد لا يُستهان بها…

لقد حصّلنا ولاء الشيعة العرب بعد أن كانوا متردّدين…

ولم يعُد هناك مرجعيات شيعية عربية، وبيدنا كل الحوزات التي تهيّئ المرجعيات…

وأصبح كل الشيعية في العالم رهن أوامرنا.

كما أثرنا ثائرة التكفيريين، فساعدنا ذلك كثيراً…

أما في سورية فقد ضمنّا الولاء الأبديّ للعلويين…

نحن أقلية ونعرف كيف نستثمر تخوّف الأقليات

ونقف بجانب الأقلّية العلويّة المظلومة في سورية التي تلقّت تنكيل الأتراك والسنّة…

لقد أصبحت سورية خاتماً في إصبعنا.

لنكن صريحين تجاه خياراتكِ في سورية…

يمكنكِ أن تملكي السماء، ولكننا نملك الأرض…

نحن الذين ندير دفّة الحكم في سورية، وأنتِ تعرفين ذلك…

ونحن متّفقون معكِ على كثير من الأمور…

متفقون على عدم إسقاط النظام…

ومتفقون على حلّ سياسي ينتج عنه توازن قوى طويل الأمد…

ومتفقون على ضرورة حماية حقوق الأقلّيات…

وأنتِ تحتاجي مساعدتنا لتحقيق ذلك كله.

نعلم أنكِ تدركين أنه لا غنى لكِ عن أمّة الفرس…

وأنتِ تدركين خطورة ازدياد القوة التركية…

وتدركين أن حلم حكومتها هو التحالف مع القوى العربية المناهضة لكِ…

نحن قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها…

*             *             *

لا تخافي واقتربي مني…

اقتربي مني ولنتمتّع معاً…

وسارعي فإن الوعي يتعاظم عند عدونا المشترك…

واهرعي فإنه لا يمكن كسر عزيمته إلا إذا تعاونّا ضده…

مازن هاشم

18-9-2013

Tagged: , , ,

أضف تعليق