Tag Archives: الأقليات والسياسة

البنية المؤسسية للوطن: 1- التشكيل السياسي

تتسارع الخطوات من أجل التشكيل السياسي في سورية الجديدة بعد نجاح الثورة. وإن أوّل المطلوب هو الوعي بأنه ليس هناك نموذج جاهز يمكن تبنّيه كما هو. لا بدَّ من التفصيل على مقاس القدّ، لكن الاستغراق في تمام التفصيل يتطلّب وقتاً لا نملكه. إذاً المطلوب تحديد الهيكلية العامّة، ثمَّ نبني الجدران وبعد ذلك نقوم بالكسوة والدهان، ثمَّ التزيين والتنميق (وإذا قام عملٌ تطوعي بوضع لوحةٍ جميلة على عضاضة إسمنتية من اليوم فلا بأس).   

ولعلّه يأتي على رأس التحدّي أنه يصعب الحسم في نقطة البدء. يعني إذا قلنا نريد انتخابات، أين هي القوائم الانتخابية، وكيف يتمّ تمثيل المشردين داخل البلد والمهجرين خارجه. يعني هذه تحدّيات ينوء بها جهاز كبير في حال السلم، فما بالك بالوضع الحالي.

إقرأ المزيد

حول الانسجام مع المجتمع التركي

في زيارتي الأخيرة لتركيا، ليس من موضوعٍ جرى الكلام فيه مثل موضوع الانسجام مع المجتمع التركي، سواء كان هو الموضوع المخصّص للقاء أو جاء على الألسن بشكلٍ عفوي. وأودُّ في عجالاتٍ متتابعةٍ أن أشير إلى نقاط مهمة، وأن أناقش المسألة من “ناحية واقعية”.

إقرأ المزيد

التعامل مع دور العبادة في البلدان المفتوحة: مدخل نظري

بمناسبة حدث آيا صوفيا، حاولت رسم مدخل للتعامل مع دور العبادة المشيّدة قبل الفتح. ويعلّمنا التاريخ أن إهانة الرموز تدعو إلى التعصّب وتزيد من انغلاق الأذهان، في حين أن التسامح يفسح المجال للتفاهم. ومسيرة الإسلام شاهدة على ذلك، وما أخطأ قائدٌ بقسوةٍ في غير محلّها صدّت عن الدخول في الإسلام، إلا وأتى غيره وتصرّف بحكمة وقصر قوّة السيف على ساحة النزال واعتمد قوّة أحقيّة دين التوحيد فيما عدا ذلك، فانفتحت له القلوب.

ولذا ينبغي أن يراعى في التعامل مع دور العبادة القائمة اعتباران: ثقلها الرمزي، والوجود السكّاني لأهل هذا الدين. وأحدّد لذلك ثلاثة أحوال، كل منها يستدعي تصرفاً مناسباً.

إقرأ المزيد

التشكيلات المجتمعية البينية

لقد كُتب الكثير في تغيّر التشكيلات المجتمعية في مجتمع الحداثة وفي مرحلته المتأخرة بخاصّة والتي أُطلق عليها وصف ما-بعد-الحداثة. غير أن ما يدعو إلى التطرّق للموضوع في سياق المجتمعات المسلمة هو أن تلك التغيّرات ترسّخت إلى حدٍ بعيد من وجه، وتوطّنت في غير بلدان ثقافات المنشأ من وجه آخر. وكمؤشرٍ ناطق على هذا خبر نيّة الاحتفال برأس السنة الميلادية في بلاد الحرمين وتوقّع الترحيب بذلك من قبل شريحة ليست صغيرة من الشعب. لكن ولو سلّمنا بأن التشكيلات الحديثة توطّنت في بلاد المسلمين وجرى تطبيعها فإننا نذهب إلى القول إنها لم تصبح طبيعيةً.  وسبب ذلك أن هذه التشكيلات الحداثية تتصادم مع ما يُفترض أن يولّده النسق الثقافي التاريخي للمسلمين. وبرغم توجّه جزءٍ من الخطاب الفقهي إلى التلفيق مع معطيات الحداثة، لا يفتأ أن يصل هذا حدّ الاصطدام والتنافر مع منطلقات الثقافة الإسلامية، فيحفز ردود فعلٍ ناضحةٍ وغير ناضجة، وهو الأمر الذي يُعيد فيُبرز إشكاليةَ المستورد الوافد. إقرأ المزيد

الثورة وملامح التغيير الحضاري-2

الشكوك و تخلخل العادات والطقوس

تحيط بالأنظمة العقدية ثلاث طبقاتِ حماية: المسلّمات الواضحة التي لا يُقبل الجدل فيها، والقواعد الضابطة التي تنظم الجزئيات فتشكّل سوراً حول البذرة، و طقوس السلوك التي تستثمر الاعتياد كي لا يشوّش على انسياب النشاط.

وفي ساعات الأزمات المزلزلة تتراكم الشكوك في كل شيء بما فيه المسلّمات وما ادُعي أنه مسلّمات، فيدفع ذلك نحو الضياع لدى البعض ونحو الاعتصام بالمحجة البيضاء لدى الآخرين. إقرأ المزيد

الثورة العربية و (قومنة) القضية الفلسطينية

تتربّع القضية الفلسطينية في صميم الضمير العربي، ولكنها في الطرح السائد ليست جزءاً من الثورة العربية برغم أن هذا الربيع ما هو إلا انعكاس لما يكتنفه الضمير العربي. فكيف نفهم هذا التناقض؟

علينا أن نُذكّر أولاً بسبب مركزية القضية الفلسطينية في الضمير العربي، فهذا مهمّ وإن لن نأتي بجديدٍ. يتعامل الضمير العربي مع القضية الفلسطينية وكأنها قضيته الوطنية أو الشخصية لسببين. أولاً، لاعتباره أن إسرائيل تمثّل منّصة متقدّمة للاستعمار الغربي، والثاني هو أنها تمثّل امتداداً تاريخياً للكيد اليهودي في وجه الإسلام. ويتمّ الإعراض عن ذكر هذا السبب الثاني لأن التفسير بالانتماء الديني مشوّه في الأدبيات المعاصرة ويستحضر الفكرة المسيّسة لصراع الحضارات. ولكي لا يوصف العربي بالتعصّب الديني أو أنه (معادٍ للسامية)، يجري استعمال مصطلح الصهيونية بمعنى الحركة القومية التي اعتدت على الحق الوطني للفلسطينيين. وفي الخطاب العالمي تمّ التراجع عن مصطلح الصهيونية باعتبار أن له أصل صوفيّ، فأصبح المقبول هو انتقاد (الإدارة الإسرائيلية) فحسب. وتتابع اختزال القضية من كونها عربية إلى كونها فقط قضية فلسطينية ثم إلى أجزاءٍ منها وإلى مسائل إجرائية بحتة. إقرأ المزيد

كرد شمال سورية: محاولة بحث عن صيغة سياسية عادلة

يعالج هذا البحث القضية الكُردية في سورية، ملخّصاً أهم المنعطفات التاريخية التي مرّت بها ومحلّلاً سياقاتها الوطنية والإقليمية ومستصحباً تبعات ما عاناه الكُرد، ولكنه يبتعد عن المنظور الأحادي ويعتبر أنّ إشكالية الدول القومية التي نشأت بعد الحرب العالمية وتأزّم الهويات بعد تغيّر الرابطة العامة للاجتماع هو السبب الكامن وراء أزمات المنطقة، وهذا هو الإطار الناظم الذي تبنّته الدراسة.  كما تناقش الدراسة فرص وعوائق تشكيل ترتيبة سياسية جديدة لسورية المستقبل على نحو يستجيب للأمنيات الكردية، وتقيّم مدى عملية هذه الترتيبات وعدلها، وتعرض ملامح مدخل فدرالي معدّل كمقترح للتعامل الجادّ مع القضية الكردية.

رابط الدراسة: كُرد شمال سورية: محاولة بحث عن صيغة سياسية عادلة

ما تهمس به إيران في أذن أمريكة

ليس لكِ مصلحة في معاداتنا برغم كل الذي حصل بيننا.

أنتِ تبحثين عن الاستقرار، ونحن دولةٌ مستقرة…

ونحن مؤهلون لنساعدكِ على تحقيق الاستقرار في منطقة شديدة التقلّب.

إقرأ المزيد

ميلاد أمة -5: التصميم الطائفي لدول بلاد الشام

ابتُليت بلاد الشام بأسوأ مزيج من الكيد الاستعماري.  وكما هو معروف، تركّز الطريقة الإنكليزية على وضع ترتيبة هيكلية ورسم حدود تتفجّر المشاكل منها فيما بعدُ.  هذا ما فعلته في إفريقية، وهذا ما فعلته في تقسيم أرض البشتون بين باكستان وأفغانستان، وهذا ما شاركت بفعله في الشام من حدود مصطنعة وفي تنكّبها عمّا وُعد به الكرد.  أما الطريقة الفرنسية فتركّز على الخلخلة الثقافية واللغوية، وهذا ما فعلته في الجزائر وفي بلاد غرب إفريقية.  وابتُلِــيت سورية بكلا الكيدين.

آثار الحملات الاستعمارية الاستخرابية أمرٌ معروف، لكن تغيب عن الذهن حقيقةُ ظاهرة ربما بسبب حضورها الصارخ.  اتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور لم يقسّما أرض الشام فقط، وإنما أنشآ دولاً تحت سيطرة طائفية.

  إقرأ المزيد

ميلاد أمة-6: خاتمة

وبعد، فقد كتبتُ في موضوع يصعب أن ينجو المرء فيه من اللوم فيما فعل.  وليس هذا الذي يهمّني بقدر ما يهمني عدم إساءة الفهم.  ولقد بذلت جهداً أن تكون العبارات دقيقة، ولكن أنّى للعبارة ألا تخون قصد الكاتب، وأنّى لها أن تخاطب في آن حساسيّات كل أطياف القرّاء.  ويعرف الكُتّاب أنّ من يريد ألا يوجّه إليه أي انتقاد –ولو كان غير عادلٍ وفي غير مكانه- عليه أن يكفّ عن الكتابة ولا يتكلّم في موضوع ذي شأن.

وسوف يصِف الحداثيون المثاليون منطق الرسالة بأنه “طائفي” لأنه عالج مسألة الطائفية بلغة غير اعتذارية.  ولكن أفضل ما نقوم به من أجل السلم الأهلي في هذه المرحلة الحرجة هو عرض أفكارنا ومشاعرنا ومخاوفنا “على المكشوف” وبأدبٍ، لكن بدون مداورةٍ ولا كثير مداراة.  فثمة مشكلة طائفية في سورية لا شك، ولا بدّ من أن تواجهها المجموعات المختلفة من أجل أن تفهم آلام وآمال بعضها بعضاً.

وكأي تحليلٍ علمي فإنه يُـقدّم دقة العبارة على مراعاة مشاعر الناس، فالكتابة الجادّة ليست من نوعِ خطب المجاملة في العلاقات العامة.  وعلميّة أي معالجةٍ لا تعني أنها نهائية، بل يرِد فيها التعقيبُ والاستدراك.  ويمكن للكاتب أن يتحاور مع من يعقّب ويستدرك، غير أنه لا يوجد كثيرٌ من الفائدة في الحوار مع من يرفض مسلّمات طرحٍ ما.

مسلّمتان اثنتان شكّلتا ناظم التحليل في هذه الدراسة:

الأولى أنّ منطقة بلاد الشام وما حولها والمنطقة العربية عموماً تتمتّع بخلفية حضارية تاريخية مسلمة.  والفرض المستبطن هو أنّ هذه الخلفية هي ذات قيمة كبيرة بغضّ النظر عمّا يعتري التاريخ والتجربة البشرية من أخطاء.  والفرض المستصحب معها أنّ عامة الشعب السوري –وإن كان ليس كلّه– يحترم هذه الخلفية ويريد أن يعيش على نحو أو آخرٍ مستظلاً بظلالها.

المسلّمة الثانية هي أن الفلسفة الغربية للاجتماع لا تناسب مجتمعاتنا العربية المسلمة.  ولا يعني ذلك إجراء قطيعة مع التجربة العالمية، وإنما رفض نجاعة استيرادها على نحوٍ آليّ قسريّ.  ولا تعيش مجتمعاتنا العربية منقطعة عن تيارات الثقافة العالمية، بل تتفاعل مع معطى الحداثة وما زالت تنسج لنفسها من عناصر الحداثة ما تراه مناسباً.

ومن لا يقبل هاتين المسلّمتين –برغم كثرة الشواهد عليهما– سوف يصطدم مع كثيرٍ من تفاصيل الدراسة أو يحمّلها غير ما أُريدَ منها.

ويمكن لسوء الفهم أن يأتي من الطرفين، الموافق والمخالف.  ويحسن الانتباه إلى أنه جرى استعمال عبارة “الحضارة” لأن المعطيات الحضارية تكون عادة نتاج مجموع فرق المجتمع.  كما جرى استعمال عبارة الخلفية “المسلمة” وليس الإسلامية لكي يؤخذ البُعد الثقافي بالحسبان وما يضمّ من رحابة التأقلمات.  ويعني ذلك على الصعيد السياسي أنّ قيم الإسلام أو التاريخ الحضاري للإسلام يشكّل مخيالاً وطنياً لا يمكن تجاوزه.  وهذا بالضبط هو محلّ إشكالية الطروح النخبوية الأقلوية.  ومن جهة أخرى، لا تعني الإشارة إلى الخلفية الحضارية الإسلامية التي استبطنت الدراسةُ محوريّـتها أنّ كلّ أفراد الشعب السوري يعشق مجالس المشايخ وينصاع لآرائهم وفتاويهم، كما لا تعني أيضاً أنّ غالبية الشعب هي من صنف أعضاء الجماعات الإسلامية تلتزم بمعتقداتها الحركية أو نظامها التربوي.

وإذا أخذنا المسلَّمتين معاً، فلا يعود هناك معنى لأكثر اعتراضات الطرح العَلْماني.  والسبب الجوهري لعدم وجاهة الاعتراضات أنها تضع الخلفية الحضارية المسلمة ندّاً للتفاعل مع الحداثة وما آلت إليه أوضاع الاجتماع البشري، وتقدّس الرؤية الحداثية اللبرالية ولا تقبل تفنيد منطلقاتها.

ويدّعي الطرح الحداثي المحض أنّ استصحاب الهويّـات الدينية معناه تطييف المجتمع.  هذا واردٌ في الفهم المغلق للإسلام في بعض المؤلّفات المختصرة. ولكن أمهات الكتب في تراث المسلمين فيها رحابة لاستيعاب الآخر ما لا يدريه أصحاب الطرح الحداثي (وربما يغفل عنه بعض المسلمين أيضاً). ودع عنك ما في بطون الكتب، فالممارسة المسلمة على مرّ الدهور بدون استثناء شاهد على رفعة نظامها الاجتماعي التآلفي.

وعلى كل حال، ليس ثمة أي دليل على أنّ الطروح غير الدينية هي أقلّ تطييفاً.  فمثلاً، ليست القومية ببعيدة عن العنصرية إذا فُهمت على وجهها الأوروبي من الاجتماع وفق مفهوم دولة-شعب؛ ولذلك قلنا بمحورية العروبة بمعنى بُعدها الثقافي والذاكراتي وفي عمقها اللغوي، ورفضنا القومية العربية بالمعنى التعصّبي.

كما يدّعي الطرح الحداثي أنّ الدّين يدعو إلى انقسامات عمودية معقلها الهويات، مكان الانقسامات الأفقية التي تجري موازية للأحوال المعيشية للناس في مجتمعات الحداثة.  وفي هذا أيضاً قصورُ فهمٍ لواقع الحداثة واختلاف سيرورة نشأة مجتمعاتها، وفيه تسليمٌ بعالمية النموذج الأوروبي.  وذلك لأن النظرة المتفحّصة تظهر أنّ هنالك فروقاً كبيرةً في تطبيقات هذا النموذج، كما أنه لم تختفِ الانقسامات العمودية والفئوية في تلك المجتمعات، بل تضخّمت بالإضافة إلى حضور الانقسامات الطبقية والمصلحية.

وختاماً، ينبغي التأكيد على أنّ الارتباط الوجداني بالحضارة الإسلامية لا ينافي –بل يمكن أن يحفز- فكرة الاحتفاء برابطة الوطن والتعايش المشترك بين الفئات المختلفة للشعب، تعايش سلمي رحماوي.  كما أنّ استصحاب نسق الحضارة الإسلامية ليس فيه رفضٌ أصلي لتنظيم المجتمع وفق أساليب معاصرة ومؤسسات مدنية ثبتت نجاعتها، ولا يتعارض مع فكرة جريان القانون بالتساوي بغضّ النظر عن التصنيف المجتمعي؛ إذ يتحرّك العقد الوطني على صعيد الحياة والعيش الفعلي المشترك. وإن عالَم المخيال والدوافع والقيم يدخل حيّز السياسة من ناحية الوجهة وما يراد للآليات الديمقراطية أن تصل إليه، وليس من الناحية الفنّية للآلية السياسية.