ما بعد التحرير: تجسير النظري مع العملي، وشيءٌ من التفرّد الثقافي…

من عجائب الحياة البشرية تمازج الأضداد، أو ما يبدو أضداداً. الثورة بطبيعتها جهدٌ مكثّف يجتمع فيه العنفوان مع التعالي، يتكلّمان نيابة عن العقل والروح معاً. ومن جهة أخرىٰ تنبسط معطيات العقل بين المجرّد الذي تعترك معه الأذهان وبين المنـزّل الذي ينتج عن تراكم الخبرات.

ولقد تعانق في عملية التحرير هذان البعدان وتشاركا… فمن تخطيط المباغتة وتشتيت العدو وتخذيل الأنصار، إلىٰ زفرات النفوس والاستعداد للتضحية والرجاء بانقشاع نظامٍ فرعوني؛ يقبع خلف هذه الظواهر تحدٍّ معرفي. وهذا التحدّي المعرفي ثنائي: تحدٍّ في تفعيل المفاهيم الإسلامية، وتحدٍّ في تفعيل فهم عالم الأسباب.

الحال المستعصي

تميّزت حالة الطغيان في سورية بغلق البلد عن المؤثّرات الخارجية. ولقد كان هذا إرثاً منذ الفترة البعثية اليسارية في الستينيات من القرن الماضي. ومن جهة أخرىٰ هناك الوسائل الافتراضية للتواصل التي دخلت كلّ زاوية وركن. غير أنه بقيت هذه الوسائل كوّة اطلاعٍ، تمشي إلىٰ جانبها صعوبةٌ في مأسسة الواقع الاجتماعي علىٰ نحو مسايرٍ للواقع العالمي. وبطبيعة الحال ينقل التفرّج عبر الشاشات صوراً من زاويا ضيقة، زوايا يتضخّم فيها الاستعراض والاستهلاك والزخارف والأماني بعيداً عن تحدّيات الزرع الفعلي في الأرض.

وإذ يشتهر الشعب السوري بخصلة المبادرة والابتكار، إلا أن فرص التحقّق في واقع البلد كانت محدودة ومحاصرة بهواجس من نوعين: هواجس أمنية تحول دون تشييد الجديد، وهواجس السرقة وابتزاز الجهود التي تحاول بناء شيءٍ متواضع استجابة لحاجة فردية وأسرية في استرزاق مشروع. أما الفئة القليلة التي كانت تزور البلدان المجاورة بين الفينة والأخرىٰ، فكانت تلمس بنفسها وطء تسميم البلد وحجزه دون النمو الطبيعي.

الغلق والخنق من جهة والتوفّز نحو الإنجاز والتحسين من جهة أخرىٰ، نسَجا الأرضية الفكرية تجاه المستقبل المرجوّ؛ فامتزجت في هذه الأرضية أمانٍ متخيّلة مع مبادئ واعدة وقواعد فاصلة.

المخيال الثقافي والأخلاقيّة

ليس سهلاً تشخيص الحالة الفكرية في سورية قبيل التحرير. من المعروف أن الثقافة المسلمة في سورية (وفي كلّ البلدان العربية) ثقافةٌ حاضرة برغم كلّ ما اعترىٰ الواقع من اعتلالات. ولا نتحدّث هنا عن التديّن الملتزم والمؤطّر، فمثل هؤلاء قلّة في المجتمعات، ولكن الحديث عن المخيال الشعبي العام ومكان الأخلاقي فيه. تتربّع في ذهن كلّ المجتمعات صورةٌ عن المجتمع الفضيل، وهذه الصورة –في الغالب– مستمدّة من خلفية دينية. من اليابان إلىٰ المغرب ومن أستراليا وبلدان أمريكا الجنوبية إلىٰ آسيا ومروراً بموسكو، ما زال المخيال الديني العام هو مصدرٌ للحال الفضيل، ولعلّ فرنسا والشمال الأوربي هو الاستثناء. وعلىٰ كلّ حال فإن الأخلاقية اللبرالية ما هي إلا مسيحية مُعلمَنة ضلّت الطريق.

وإنه لمن اللافت للنظر في بلادنا كثرة الذين يعتبرون أنفسهم أنهم متدينون نوعاً ما، أو بعبارة أدقّ، كثرة الذين يكرهون أن يوصفوا بأنهم غير متدينين بالمرّة. لقد حسم التاريخ الأمر، حيث رسخت في بلادنا قيم النبوّات التي هي القيم الكبرىٰ للإسلام باعتبارها ممثّل الأخلاقية. ولو أردنا تحديداً أكبر في الأمر لربما صحّ القول إن حال السلب هو الكاشف، فقلّ في البلدان العربية (والمسلمة) مَن يُنكر لاأخلاقية الكبائر: قتل النفس التي حرم الله، أكل الربا (بمعناه الاستغلالي المتجاوز لمحض الفائدة المصرفية)، أكل مال اليتيم، التولي يوم الزحف، قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، السحر والشعوذة… وهذا الموقف الأخلاقي ظاهرٌ في بلدان المسلمين عامّة وفي البلدان العربية خاصّة وهو راسخ الحضور في بلاد الشام. ومرّة ثانية نحن نتكلّم عن المخيال الأخلاقي، بغض النظر عن السلوك الفعلي.

ومن اللطيف ملاحظة الاستعمال اللغوي الشائع لكلمة “حرام”. من منظور أنثروبولوجي إنه لصادمٌ وناطقٌ إطلاق هذه اللفظة علىٰ الجماد: “حرام عليك أهلكت محرّك السيارة”… ورحم ربي أمي وأمهاتكم، فحين كنّا نحن الأخوة في أوّل مرحلة الشباب ونأتي البيت جائعين ونفتح الثلاجة لنلتهم شيئاً ثمَّ نخبط بابها عند الإغلاق، كان تعليق أمي: “الله يغفر لهذا البرّاد على ما يتلقّى من خبطات”! كيف نفهم ذلك ونفسّره؟ إنها هيمنة قيم الإسلام وتخلّلها للمشاعر وطرق التفكير. ويوم دخلتْ القوّات الأمريكية الفلّوجة تمّ التمثيل بجثّة أحد الجنود وعلّق علىٰ جسر. وحينما قابل صحفيٌ أمريكي أناساً من أهل البلدة، أجابوا بأن هذا “حرام”؛ وهذا ما لفت نظر الصحفي من ناحية رسوخ المرتجع الأخلاقي، برغم أن اللحظة كانت لحظة عدوانٍ خارجي والسياق سياق دفاعٍ عن المال والعرض والبلد.

القيم مقابل السلوك

إن تفارق السلوك البشري عن المثال القيمي لا يعني غياب القيمة. تلبّس الممارسة اليومية للشعوب العربية بمظاهر أوربية (في اللباس والستر مثلاً، أو في احتساء قهوة مستوردة) لا يعني انتفاء القيمة الإسلامية.

وعلينا الإشارة إلىٰ وجود أقلية عَلمانية محضة، وهي من ضربين: ضربٌ من كبار السنّ منسجم مع نفسه يتمسّك بمعتقدٍ متقدّد لم يتغيّر، وضرب معاصرٌ يمكن وصف حاله بأنه حال عَلمانية الشهوات.

وإلىٰ جانب ذلك هناك مَن هو ليس عَلمانياً محضاً ولكنّه يظنّ أن العَلمانية شيء جيد ويدافع عن بعض مظاهرها. فالعَلمانية له هي التقنية والتنظيم الإداري الذي يراه في البلدان الأوربية بما في ذلك الممارسة الديمقراطية، إلىٰ جانب رفض ترأّس المشايخ باعتبارهم غير مؤهلين للحُكم وإدارة الحياة. ولا يخفىٰ أن هذا فهم اختزاليٌ للعَلمانية، فهي رؤية كونية في المقام الأول. وبالمناسبة ترجمة المصطلح الأجنبي لهذا المفهوم باستخدام جذر “علم” ما هو إلا جهل أو ربما كيد مقصود. 

وأخيراً هناك التوجّه القومي، وهو طيفٌ بحكم الواقع، وهو المتصالح مع الحضارة المسلمة كتاريخ، ولكنّه يرفض التوجهات الحركية الإسلامية، وربما يَقبل –علىٰ مضض– فئة المشايخ بناء علىٰ أنهم جزء من المشهد الوطني لا أكثر.

المقصود بهذا التذكير التأكيد علىٰ العمق الديني للمخيال الشعبي، بغض النظر عن مدىٰ تجلّيه في السلوك. ولعلّ ليس هناك دلالة علىٰ حضور هذا المخيال من تصاعد زخم المشاعر الدينية بعد انطلاق الثورة وتألّق مفهوم الشهيد، ذلك المفهوم المفسَّر الذي يتجاوز خصوصية المناجزة بالسلاح… نداء المظاهرات “للجنة رايحين، شهداء بالملايين” الذي ردّدته جموع المتظاهرين كان نداء وسطي الشباب لا نداء الملتزمين بحِلَق العلم أو المنتظمين في صفوف حركات إسلامية فحسب. أنه الجذر الحضاري للمخيال الفكري-الوجداني.

النسق والمستقبل

 لقد كان الغرض من الوصف العام للحال السوري والتأكيد علىٰ حضور مخيالٍ دينيٍ إسلامي عام، هو توجيه النظر إلىٰ تصادم التوقّعات تجاه المستقبل. فهناك الفريق الذي يرىٰ أنه انفتحت فرصةٌ للحاق بلدنا بركب التقدّم، والتقدّم عند هذا التوجّه هو تقليد أوربة، وربما يكون له بلد أوربي مفضّل حريّ بالاتباع. وتنهال عند هؤلاء صورٌ وانطباعات عن البلدان الغربية، صور عشقٍ أبعد ما تكون عن الواقع.

أما التيار الثقافي العام فإنه “محافظ”. وكونه محافظ لا يعني أنه “رجعي” منغلق؛ بل معناه أنه يودّ المحافظة علىٰ خلفياتٍ ثقافية يراها نضِرة تحفّها أخلاقياتٌ رفيعة وممارسات راقية، إلىٰ جانب تفاعله مع الواقع العالمي والانتقاء ما يراه مناسباً منه.

هل ممّن فيه بقية محاكمةٍ وحسٍّ تاريخي إلا ويدرك أن للأمم مساراتها المختلفة، وأنه لا يمكن لأمة أن تتقمّص شخصية أمّة أخرىٰ ولا أن تستنسخ تجاربها؟ وإنّا لو قلنا لشعب الولايات المتحدة الأمريكية إنه سيُفرض عليكم النموذج الفرنسي للحياة لاعتبروه عدواناً صارخاً وتحكيماً لمنظومة خانقة متهالكة أخلاقياً. ولو قلنا للشعب الفرنسي أنه سيُفرض عليكم نموذج الولايات المتحدة الأمريكية لاعتبروه عدواناً صارخاً وتحكيماً لمنظومة فوضىٰ متهالكة أخلاقياً.

هذا وكلٌ من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا يتحدّرون من نفس البوتقة الثقافية الأوربية، وكانت فرنسا مَن أهدت تمثال شعلة الحرية للولايات المتحدة، وكان المفكِّر الفرنسي توكڤيل مَن أشاد بتجربة الولايات المتحدة الأمريكية وأن وضعها يسمح بتمثّل المنىٰ الديمقراطية علىٰ نحوٍ فريدٍ غير متحقّق –أو لا يمكن تحقّقه– في البلدان الأوربية. ومن جهة مقابلة، كانت جيوش الولايات المتحدة هي التي حرّرت فرنسا من السيطرة النازية.

لا غرابة في أنه تخامر الأحلام التقدميّة أولئك الذين انفصل في أذهانهم الدّين عن الحياة العامّة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فلا يرون للدّين مكاناً إلا في زوايا مخصّصة يُسمح فيها بالخشوع والتبتّل. الغرابة في أن بعض الذين يرون أنفسهم إسلاميين يعاقرون بعض الأفكار “التقدمية” تأكيداً علىٰ انفتاحهم وتعلّمهم ورفضهم للانغلاق الديني والمذهبي؛ وهكذا يجري أحياناً تقمّص ما يناقض مقتضيات توجّههم، أو يجري خلط العناصر المتنافرة في هشّة محاولة البناء لبديل “عصري”.

من القنينة إلىٰ الفلاة

في السنين الأولىٰ للثورة حين كان الأمل كبيراً وقبل التدخّل الإيراني والروسي التقيتُ برجلٍ سوريٍّ في أرض مهجر، وفي لحظة تفكّر بالمآلات، نطق هذا الرجل بما فيه دلالة: “الحمد لله علىٰ الغربة، لقد تعلّمنا كثيراً”! لا شكّ في أن السفر والترحال يُكسب المرء خبراتٍ ويوسّع دائرة النظر في الأذهان، لكن يختلف الناس في تعاملهم مع الخبرات الجديدة اختلافاً واسعاً. فهناك من لا يغادره حال القنينة، حيث لا تُنزع الطمّاشات عن الأعين وإنما تتسنّىٰ مساحةٌ أوسع للرجلين للسير بين جدرٍ زجاجية مشيّدة في الذهنية. هذا التفاعل الارتكاسي هو الذي يتوجّه فيه الذهن بالكلّية إلىٰ استيلاد الماضي مع تحسينات في الغلاف فحسب. بعض المنظّمات التي أنشأها أفراد المعارضة في الخارج تحكي هذا الحال، حيث توافرت حرية الوسيلة وتخلّفت حرية تقليب النظر.

هناك حال أخرىٰ معاكسة، وهي حال الذي انساح في الأرض الجديدة يتفرّج علىٰ صخورها وأعشابها حتىٰ غاب عنه سبب انباتها وشرط مناسبة تربتها. وفي حين ينصبّ همّ الأول علىٰ استنساخ الماضي الخاصّ بالأمة، ينصبّ همّ الثاني علىٰ استنساخ الحاضر لأممٍ أخرىٰ، أممٍ تختلف في كلّ خصلة من خصالها. وهكذا يتعاظم الاستهواء ويدخل الزغل من الشبابيك رغم أن الأبواب موصدة.

الدولة الحديثة

تلهج ألسنة كثير من الناشطين بأن دواء سورية هو دولة “حديثة”…

حسناً، ولكن ما هي هذه الدولة وما هي خصائصها؟

الدولة الحديثة التي اخترعتها الحداثة الغربية تشير إلىٰ مجتمع سياسي تتطابق فيه ثلاثة أبعاد: القانوني الدستوري—الأرضي الفيزيائي—السكاني الشعبي. بمعنىٰ أنه يُفترض أن هناك شعبٌ متجانس يسكن أرضاً متمايزةً ينظم سياسته قانونٌ خاص. ولكن أكثر الدول الحديثة لا ينطبق عليها هذا الوصف. خذ مثالاً ألمانيا الغربية قبل أن يندمج شرقها مع غربها، فليس هناك تطابق في الأبعاد الثلاثة المذكورة. الاتحاد السوفيتي مثالٌ آخر حيث تمّ اعتباره دولة مع أن معظم مساحة أرضه (التي هي الآسيوية) ليست أرضاً تاريخية له، بل أقوامها مسلمون وآسيويون محلّيون، وتدّعي روسيا اليوم أن أوكرانيا هي جزء تاريخي من روسيا. وإن سورية اليوم ليست دولة تاريخية.

ليس مبالغة القول إن كثيراً من الاعتراك الداخلي لدول اليوم يرجع إلىٰ تلك الثلاثية النظرية أعلاه (شعب-قانون-جغرافيا)، وهي المعادلة غير المتحقِّقة علىٰ نحوٍ طبيعي في واقع الدولة (state)، وإنما جرىٰ فرضها بالعنف (بما فيه التقتيل والإخراج من الديار) في سياق تاريخي معيّن. وهذا هو أيضاً موضع الإشكال في النظرية السياسية المعاصرة. أما مصطلح الحكومة (government) فيشير إلىٰ المؤسسات التي تمارس عملية تصريف الشأن العام، في حين يشير مصطلح المنظومة السياسية (regime) إلىٰ شبكة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تدير المجتمع، والمنطق الداخلي الذي يتخلّلها.

دعنا نرىٰ كيف تتجلّىٰ هذه الأبعاد الثلاثة في الحال السوري المعاصر، ونبدأ بالعنصر الأخير:

منظومة الإدارة السياسية القائمة في سورية بعد التحرير أمرٌ مُعطىٰ فرض نفسه بشرعية الإنجاز، ولا يمكن لهذه المنظومة إلا أن تكون وليدة حركة التحرير ذاتها. وإنّ تمنّي الاختفاء الفوري لهذه المنظومة إنما هو خيال نظري ليس من طبيعة مشية الواقع التاريخي. أما رسم مساراتٍ لتطوّره المستقبلي وتصميم جهازٍ يستجيب لطبيعة المراحل القادمة فأمرٌ آخر، وهو أمرٌ مطلوب بديهة. ومثل ذلك لا يمكن نقض مخيال الثورة منذ عام 2011، تماماً لأن هذا المخيال إنما هو تعبير عن دماء وتضحيات وآلام وآمال أصحبت جزءاً عضوياً من تاريخ البلد.

أما عن الحكومة، فلا يخفىٰ أنها تشكّلت تحت ضغوط خارجية فاقت الضغوط الداخلية (التي يمكن تجاهلها بأمان). وهكذا أُبقيت المناصب السيادية الحرجة في دائرة صغيرة شديدة الوثوقية، في حين تمّت الترضية العامّة في مناصب أخرىٰ. وهناك توتّر بين مطلب استيعاب المؤسّسات الحكومية للمشروعية القانونية من ناحية، وبين استصحابها لمطلب الثورة كي تكتسب الشرعية الاعتبارية المتوقّعة.

إذا كانت تلك هي منظومة الإدارة وتلك هي الحكومة، فأين هي الدولة؟ عودة إلىٰ الشروط الثلاثة التي يُفترض تحقّقها في الدولة النموذجية، من المعلوم غياب هذه الأبعاد في الحال السورية وتوتّرها. سورية المعاصرة دولةٌ مخترعة لا تتطابق فيها حقائق التاريخ والجغرافيا. وما زال بيننا إلىٰ اليوم نفرٌ قليل من كبار السنّ الذين عاصروا سورية الطبيعية أو سورية الكبرىٰ أو حيّز بلاد الشام. وإن الحساسية المفرطة تجاه اللامركزية بين السوريين إنما مردّها –علىٰ مستوىٰ اللاشعور– إلىٰ هذه الخلفية.

وحين يقال ليس هناك سورية تاريخية بمعنىٰ شعب-دولة (nation-state) ضمن حدود مستقرّة، فإن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك حيّز ثقافي بشري يمكن أن يطلق عليه اسم ما. وتكمن المفارقة أن أقرب نقطة لسورية بصيغة “شعب-دولة” هي العهد الذي أُخضع فيه المحتوىٰ البشري داخل حدودٍ مرسومة إلىٰ طغيانٍ فظيعٍ… وهو الذي ثارت عليه الثورة وأرادت وأده.

ولا بدّ من التذكير بقضية فلسطين، حيث لا يمكن الحديث عن سورية (ولبنان والأردن) من غير استدعاء الساحة الكبرىٰ لبلاد الشام، تماماً بسبب توحّد الجغرافيا والتاريخ والثقافة، فاللغة واحدة والدّين الغالب واحد، والتاريخ هو تاريخ حضارة واحدة، والجغرافيا واحدة جرىٰ عبرها الانسياح العالمي لحضارة الإسلام.

الاستقلال الخديج وتأبيد التبعية

جرىٰ الاستقلال الرسمي، وما حدث بعده إنما يؤكّد إشكالية سورية الدولة الحديثة المرجوّة. تنبّهُ الشعور القومي كان أمراً طبيعياً مثلما هو في البلدان العربية الأخرىٰ، وهو شعور لا يمكن أن يكون منفصلاً عن القضية الفلسطينية وعن إرث الاستدمار الأوربي، وهو يفسّر أيضاًَ إغراء المعسكر السوفيتي. ليس مفاجئاً في تخيّل مستقبل سورية أن تجري الموازنة عند النخب بين النموذج الرأسمالي والنموذج الاشتراكي والميل إلى أحدهما.

لقد كانت مسيرة سورية ما بعد الاستقلال مسيرة واعدة وإن كانت متعثّرة. ولكن سرعان ما جرّها الغبش الفكري والتناقضات المحلّية والأنانيات السياسية إلىٰ فخّ حداثيٍ لا يناسب حالها. فمن وجه، سورية المستولدة لا تحقّق الشروط النظرية لنموذج شعب-دولة، ومن جهة أخرىٰ تطلّعت إلىٰ هذا النموذج فئاتٌ اغتربت عن البصمة الحضارية للمنطقة.

وهكذا أصبحت المجموعاتٍ الناشزة هي الواعدة لأن رؤاها هي التي تقترب فعلاً من نموذج دولة-شعب، نموذج يقدّس الجغرافية المنقوصة ويسلخ التاريخ العميق، وذلك لصالح تركيب اصطناعي يستخدم وسائل “حديثة”، توهم بالاستقلال في حين أنها ترسّخ التبعية لمتحكّمٍ من الخارج توارىٰ عن المشهد. ومنذ لحظة الدستور ما لبث أن جرىٰ تقديس الوسائل وتقديمها –علىٰ نحو جزئي– علىٰ معاقل قوّة الأمّة. ولا عجب أنه وبعد أن تمّ حجب الخلفية الحضارية وتقطيع أوتاد الارتباط بها، انفتحت الطريق أمام المجموعات المغتربة عن الاجتماع الطبيعي للبلد والحانقة علىٰ تاريخه استلام دفّة الحكم، سواء كانوا أشخاصاً من “الأكثرية” اختاروا لنفسهم أيدولوجيات المُستدمِر، أو كانوا أشخاصاً من “الأقلّيات” ضاقوا ذرعاً بعَقدٍ اجتماعي رأوه عتيقاً ومتخلّفاً، واشرأبت نفوسهم إلىٰ صيغة تعِد بالتساوي بعد أن تمحو النسق الثقافي للأمة وتجرّدها من مكامن قواها.

ولا يقتصر التصميم الطائفي للمنطقة علىٰ سورية، بل جرىٰ في كلّ بلاد الشام وما جاوزها. ولا يقوم هذا التصميم إلا من خلال التنكّر لحضارة المنطقة وتأسيس دولة “حديثة” وفق مقاس المستخرِب الذي انسحب إلىٰ الظلّ. وهذا تماماً الذي حصل. وإنه لا معنىٰ للثورة إلا حين تستنقذ روح حضارتها وتدرك فرادة نموذجها وتعمل علىٰ تفصيل ما يناسبها في منهجٍ معتصمٍ ومنفتحٍ في آنٍ.

أمّ الثورات

تكمن خطورة الثورة السورية في أنها زلزال يشمل جميع المساحات الطبيعية حول الحدود الرسمية لدولة سورية. ومنذ باكورة الربيع العربي كنت من الذين يؤكدون علىٰ أن أثر نجاح الثورة في مصر ينصبّ بشكل رئيسي علىٰ ما يمكن أن تفعله مصر بذاتها من ناحية ثقلها وإمكاناتها، في حين يتركّز أثر نجاح الثورة في سورية فيما تغيّره خارج حدودها. وهذا هو مردّ الإجماع العالمي السابق علىٰ عدم دعم تغيير النظام في سورية، وهذا تماماً هو التحدّي الذي تمثّل في أرض الواقع لحظة سقوط النظام البائد في دمشق. ولا يسعني عند هذه النقطة إلا أن أستشهد بقولة المفكّر اليمني الشهيد إذ قال في تغريدة له قبل أكثر من عقد: “الثورة التي ستغيّر وجه التاريخ هي الثورة السورية، وعلىٰ الثوّار في كلّ الوطن العربي أن يُدركوا ذلك، خاصّة ثوّار اليمن الذين عليهم أن يتجهوا بكل قوّة إذا أرادوا استكمال أهداف ثورتهم صوب الثورة السورية بكل الإمكانيات، فبقليلٍ من التأمّل ندرك أنه لا قيمة لأي ثورة ما لم تنتصر أم الثورات في سوريا”. بُشراك فقد حدثتْ الثورة، ورحمك ربي رحمة واسعة، ونرجو السداد فيما يأتي بعدُ.

إن إدراك هذه النقطة في غاية الأهمية لأنها تشكّل البُعد الذي لا يجوز تناسيه في أي تحليلٍ أو استشراف. وممّا يعنيه هذا ضرورة استصحاب طبيعة الثورة السورية ونتائجها عند الحديث عن مآلاتها، إذ أن فرادة طبيعتها تؤثّر علىٰ ما يصلح لها من “حلول” ومداخل للتعافي.

الأدبيات بين الاقتداء والاعتبار

لم تكن أيام النظام البائد أيام عسفٍ مادّي فحسب؛ بل كان المناخ مناخ قحلٍ ثقافي، إلا نسيم معرفةٍ تتسرّب بين الشقوق. غير إن ما يجعل الأمر أكثر فتكاً هو أن المحاصرة الثقافية لم تبدأ مع النظام البائد وإنما من قبل، وأنسب نقطةٍ زمنيةٍ يشار إليها هي قدوم نظام البعث. ومثل أي مجتمعٍ، ولا سيما الخارج من وصاية مستدمِرٍ مستخرِب، يكتنف هذا المجتمع تناقضاتٍ شتّىٰ في مختلف أنحاء الحياة. وزد علىٰ ذلك أن سورية المستولَدة خديجاً إنما خرجت من رحم تغيراتٍ إقليمية، بل عالمية؛ بمعنىٰ أن المناخ الثقافي السوري (والعربي عموماً) إنما كان يعاني من صدمة ما بعد سقوط الدولة العثمانية، ليس علىٰ الصعيد السياسة والحماية فحسب، بل الأهمّ هو صعيد الثقافة ورؤية المستقبل (وهو الصعيد الذي أسقط الإمبراطورية ابتداء). اعتركت النخب المثقّفة (التي درست في الغرب وفي فرنسا تحديداً) مع فكرة التحديث، وتباينت قناعاتها في مدىٰ احتذاء النموذج الأوربي فكراً وممارسة اجتماعية-اقتصادية-سياسية. وبغض النظر عمّا يقال في هذه الفترة وفي مواقف نخبتها المثقّفة، لا يمكن مقارنة العمق الذي تميّزت فيه هذه الطروحات بما جاء بعدها. لقد كان من نتائج الطيش الثوري اليساري أن تخلّلت “ثورة ثقافية ماوية” سطّحت المفاهيم وحاصرت الآفاق وانغمست في أدلجة صارمة. ولا تقتصر هذه الملاحظة علىٰ سورية فحسب، بل العراق شاهدٌ آخر، وخاصّة أن عنده إمكانات تؤهّله لعطاءٍ يفوق ما سمح به الخناق السياسي الأيديولوجي القومي اليساري.

إن التصحّر الثقافي –وهو يفوق خطراً علىٰ التصحّر السياسي الذي يشار إليه عادة– ليس قدراً لازباً لا يمكن جبره. غير أنه يفيدنا الشاهد التاريخي إلىٰ تحدّي التوازن والبُعد عن الاستهواء عند قدوم لحظة الانفتاح. وفي حين توافرت للتثقّف قبل الثورة وأثناءها كوّاتٌ صغيرة، تحوّل الأمر بعد الثورة إلىٰ حضور ساحةٍ واسعةٍ من الأفكار يحتاج هضمها سنين من القراءة المتأنية والمتخصّصة. وإن أدبيات العلوم الاجتماعية في السياسة والاقتصاد والاجتماع أدبيات غزيرة واسعة لا يمكن لأكثر المهتمّين بها إلا التعرّض لبعض جوانبها أو لخلاصاتها. ومن جهة أخرىٰ، مطلب فترة ما بعد الثورة مطلبٌ إسعافي يبحث عن أجوبة ناجزة، وليس هذا من طبيعة مباحث العلوم الاجتماعية والإنسانية.

تناقضات التَوق للمهنية

كان من الملاحظ في بلدان اللجوء أنه تطلّع كثيرٌ من الشباب إلىٰ دراسة علم السياسة أو الحرص علىٰ الانخراط في مساقاتٍ في شتّىٰ العلوم. وكنت أجد حرجاً فيما أقوله لهؤلاء الشباب، فعلم السياسة الشائع إنما هو في معظمه تبريرٌ للنظام الديمقراطي-اللبرالي القائم، وعلم الاقتصاد الشائع إنما معظمه تبريرٌ للمنظومة الرأسمالية القائمة، وعلم الاجتماع الشائع إنما هو في معظمه تبريرٌ للنسق المعاشي لبلدان الثقافة الأوربية. ومن جهة أخرىٰ ليست بلادنا إلا رهينة للتدابير المبنية علىٰ هذه العلوم. لا أقصد بهذا التشخيص المختصر نبذ تعلّم هذه العلوم، وإنما أن هناك –وخاصّة في سياق ثورة– حاجة لتعلّمها وتجاوزها في آنٍ معاً.

وتتضّح المفارقة في أن المنظومة العالمية التي أرستها الديمقراطية الأوربية هي منظومة تعزّز التبعية في الدول الأخرىٰ، وهذا نفسه ممّا يمنع نمو أنظمة سياسية طبيعية منسجمة مع المجتمع في البلدان الأخرىٰ. ولا يخفىٰ أن غاية التيه حين يُصادق مفكرو العالم الثالث علىٰ سبّة التخلّف. أما الانتحار الحضاري فيظهر في محاولة بعض الجهود المخلصة –هروباً من الجمود ومن الحرفية– وضع لفّة فقهية علىٰ هذا النموذج الأوربي.

وسوف أصدم القارئ بما هو أقسىٰ: نتائج علم الهندسة المدينة متحيزةٌ أيضاً! ولكن كيف تكون متحيزةً وهي تهتمّ بالحجر وليس بالبشر؟ موضع التحيّز ليس في المعادلات الرياضية وإنما في الاستجابات البشرية. ليست المشكلة في معادلة الجوائز الإسمنتية، وإنما في المعمار الذي يناسب البيئة ومواردها ونسق عيش الناس. فمثلاً المتخصّص الذي لا يعرف إلا معمار الترف لا تفيد معرفته كثيراً في الاستجابة لحاجات المشرّدين؛ بل يمكن أن يوجّه حياده المعرفي المفترضُ الأذهانَ إلىٰ مواضع سرفٍ وإنفاقٍ في غير المحل. ليس هذا رفضاً للعلوم والمعرفة الحديثة، بل هو تنبيه إلىٰ الفجوة بين العلم والعمل وإلىٰ مسألة الخصوصية في تصميم البدائل، وإلىٰ مراعاة احتياجات البيئة.

الخبرات ودراسة الحالات

يحيلنا ما سبق إلىٰ حيزٍ من الدراسات التي هي دون العلوم المتخصّصة المحقّقة، تلك الدراسات التي تهتمّ بالتطبيقات. وتندرج تحت هذه الفئة من الدراسات أدبياتُ “العدالة الانتقالية” ما شابهها من مواضيع. وإذ لا مراء في أنه تحوي هذه الأدبيات علىٰ توصياتٍ راجحة بناء علىٰ خبراتٍ مرّت بها حالاتٌ في العالم، لكن لا تنفكّ هذه التوصيات عن رؤية معيّنة عمّا هو “المجتمع السعيد” الذي يراد الوصول إليه. والأهمّ من ذلك أن هذه الأدبيات شديدة الحساسية للسياق، بمعنىٰ أنه ليس هناك وصفة جاهزة. إن هذه الأدبيات ليست علوماً مخبرية، وإنما خبرات عملية. وفي حين أن المعادلات المخبرية حاسمة أو شديدة الاطّراد، تتميّز الخبرات العملية بالتصاقها بالأحوال التي احتفّت بها؛ ولذا تكمن أهميتها في العبرة منها لا في ذات صياغاتها.

وجديرٌ بنا الانتباه إلىٰ أنه لم تنجح أي خطّة من خطط العدالة الانتقالية التي أوصىٰ بها الخبراء! كثيراً ما يُحال إلىٰ تجربة دولة جنوب أفريقيا، وسرعان ما يجري التنبيه إلىٰ أن الثقافة الإفريقية السوداء كان لها الأثر الأكبر في التعافي. ولنا عبرة بترتيبات منطقة البلقان بعد الحرب الصربية، حيث فرض “المجتمع الدولي” نظرته للتسوية، بما في ذلك العدالة الانتقالية، وهي صيغٌ قانونية مصطنعة ما كان لها أن ترضي أو أن تحلّ الإشكال علىٰ نحو شاعري كما يتخيّل سليم الصدر من قارئي هذه الأدبيات. وليس أن الشكوىٰ تأتي من البوسنة-الهرسك التي ظلمتها هذه الترتيباتُ، بل عدم الرضىٰ شائعٌ في أوساط المعتدي الصربي. ولنسأل أنفسنا هل ستسعفنا في السنين القادمة أدبيات العدالة الانتقالية في المسألة الفلسطينية بعد الاتفاق في غزة؟

وعلينا الاعتراف بأن أحسن خطّة يمكن أن تُخفق إذا لم تتوافر الظروف المناسبة لتطبيقها. وإن معرفة الواقع بتفصيلاته شرطٌ لملائمة الخطط، ومعرفة سياق لحظات التطبيق شرطٌ في سلامة المُخرج، ولا يتقن عملية التطبيق هذه إلا المحلّي. بمعنىٰ أن ما تقرّره نظرية ما ولو كان صحيحاً، لا يلزم من هذه الصحّة سلامة التطبيق. ولذا لا يسوغ أن نتمثّل عمومياتٍ نظريةٍ ونلصقها بواقعٍ له حيثياته الخاصة، ثمَّ نجرِّم الواقع لأنه تفلَّت من يدي مَن يتعهّده. وتأتيني هنا صورة البطل الدبّاك راعي الألغام. أتقن راعي الأغنام هذا فنّ فكّ الألغام من خلال أصولٍ في إبطالها، لكنه استُشهد في محاولة معالجة واحدٍ منها. فما هو الموقف المستنير تجاه ذلك؟ هل نذهب إلىٰ تعزية أهله ونتَفيقَه بعرض أصول فكّ الألغام وأنّ منها ما هو مركّب متعدِّد الصواعق؟ نعم، هناك درسٌ خِبريّ يوجب تنبّه الذين يقومون بمثل هذا العمل بأن هناك ألغاماً خبيثة، ولكن هناك موقف أخلاقي يتعلّق بالترحّم وتقدير الظرف.

وهناك أمرٌ آخر يتعلّق بتكامل مدخلات المعرفة. ولنفرض أن أدبيات العدالة الانتقالية نقيّة، فهل يصحّ انفرادها؟ فتجاه أحداث الساحل –مثلاً– تفسيرات استراتيجية هي أعمق وعليها شواهد أكثر من ألف تفسير طائفي مستورد (مع عدم إهمال البُعد الطائفي).

ومرّة أخرىٰ، ليست المسألة أن أدبيات ما بعد النزاع الداخلي خالية من الحكمة؛ بل فيها دروس، وربما أحسن ما فيها التأكيد علىٰ أن المواقف الصفرية غير ممكنة وأنه ليس هناك فريق يمكنه الوصول إلىٰ غاية مناه. المحظور في تمثّل هذه الأدبيات هو الإيمان التسليمي بها والركون إليها إلىٰ درجةٍ تُبرّر نحر الذات نحراً مبرراً بما يُفترض أنه معرفة متقدّمة.

النحر المهني للذات

لا أبلغ من نحر الذات مثل القذف بتهم المجازر في الساحل والسويداء. التأكيد علىٰ أنه حدث عنفٌ وانتقام في هذه الأحداث ليس فيه أي إسهام في الإفهام، فحدوث العنف أمرٌ متوقّع يعرفه أي خبير؛ بل إن عدم حصول ما هو أشدّ منه من العنف هو الأكثر لفتاً للنظر. ولا مراء أنه ساهم في حجز هذا النوع من العنف عن التفجّر الصفحُ الذي صاحب مسيرة التحرير. وعندما نستصحب هذا في ذهننا، يتضّح أن في ذكر أحداث الساحل والسويداء مقترنين تشويشاً ينمّ عن غياب الفهم الحراكي للتعامل مع التحدّيات، فالسياق الذي جرت فيه أحداثهما مختلفٌ اختلافاً معروفاً لعامة الناس قبل خاصتهم.

كانت أحداث الساحل ضربة من الفلول (المستأجرين) علىٰ حين غرّة وفي لحظة مبكرةٍ عسىٰ أن ينفرط العقد ولمّا يستتبّ الأمر. وكان الصغير والكبير يدرك أن القوىٰ المتوافرة التي قامت بالتحرير غير كافية لخمد تحركاتٍ مناوئة تعمّ الأراضي السورية. والغالب أن الأطراف التي كانت وراء أحداث الساحل تدرك أنها لن تنجح (بمعنىٰ إسقاط النظام الجديد)، وإنما يفيد التحريك في زرع نقطة صدام، لأن ردّ الفعل لا يمكن إلا أن يصحبه تجاوزاتٌ ولمّا تتبلور السلطات وتكتمل القوىٰ بعد. وكان النفير العام (الطوعي) انعكاساً شرطياً متوقّعاً، حيث يعبّر عن نفيرٍ دفاعي يعلوه الخوف من الانزلاق إلىٰ ماضٍ ممقوتٍ، كما كان متوقّعاً أيضاً حدوث انتقاماتٍ ما كانت إلا لتحدُث والصفيحُ ما زال ساخناً والفِرق المسلّحة لم يتمّ تأطيرها علىٰ نحوٍ كامل.

أحداث السويداء هي الفخّ الذي التقىٰ فيه البُعد المادي بالبُعد الثقافي. فالقاعدة العامّة في الردع هي قمع الفتنة بحزمٍ وشدّة، حيث تنبُذ السلطة إليها وهي في أوائلها كي تقطع دابر شيطان التفكير بالغدر. ولكن هذا ممكنٌ فحسب في الأحياء الدرزية حول دمشق مثل جرمانا وصحنايا (وليسوا أكثرية في جميعها) باستعراض القوّة من غير حاجة إلىٰ سفك دماء أو عنف مفرط. أما السويداء فهي معقلٌ يمثّل مهد عزلة الاحتماء لأقليةٍ تملؤها هواجس عقدة البقاء، علاوة علىٰ الرغبة الخارجية في إبقائها مساحةً حدودية فاصلة. ومقابل انفراط عقد العلويين-النصيرية في جبال الساحل وغياب القيادة بينهم، جبل الدروز بقي متماسكاً وقياداته حاضرة، وهو ممتنعٌ بكثافة التنظيمات الدرزية شبه العسكرية، إضافة إلىٰ مَن احتمىٰ بهم من ضباط النظام البائد.

أما من الناحية الثقافية فهناك الهاجس الشعبي تجاه التقسيم، ولا سيما عند اعتبار القرب النسبي والتنسيق العلني لبعض قيادات الدروز مع العدو التاريخي. ولعلّه أسهم هذا الهاجس العام في القناعة بخنق الفتنة عن طريق القوّة، برغم أن وارد التقسيم مستبعدٌ في رؤية السياسات العالمية. ومن ناحية المدافعة الواقعية ما كان إلا القبول بحراك العشائر وشكرهم (ولا سيما بعد قصف العتاد السوري قصفاً وصل حدّ ناقلات الجنود وليس السلاح الثقيل فحسب)، فلا بدّ من تذكير العالَم ثانية بما يخشاه ويحاذره، وأن الاستجابة للقوىٰ الشعبية هي معقل الاستقرار. وامتداد هذه العشائر وتواصلها مع الجوار الأردني والشمال السعودي والعراقي لهو أكبر رادعٍ للقوىٰ الدولية، حيث يذكّرها بما لا يمكن تجاهله ما دام عدم تفجير المنطقة هو الخيار المفضّل الآن.

التمكّن في العاصمة لا بدّ أن يكون هو الأولوية لأيّ نظام، ثمَّ رعاية المدن الكبرىٰ التي تحظىٰ بزخم كبير. ويجري إلىٰ جانب ذلك رتق الفتوق المناطقية التي خلّفها النظام البائد، وليس لهذه الفتوق سحر تعافٍ فوري؛ بل بعضها مرهون بتفاهماتٍ مع تركيا من جهة وتحكّماتٍ دولية من جهة أخرىٰ. ولا مراء أن إهمال مناطق الأطراف يُضعف الالتحام الوطني، غير إن معادلات الأطراف في الحالة السورية معادلات متراكبة، وهي جزء من ميراث التقسيم والترسيم الاعتباطي للحدود. بمعنىٰ أنه ما دام الإشكال عضويٌ جغرافيٌ تاريخي، فليس تجاه حلٌّ فوري ناجع، ولا تُسعفه أدبيات ما بعد النزاع الداخلي.

الأولويات وسكونية الوصفات المستوردة

لا بديل عن العمل المبادر الذي يتحسّس الواقع ويضع الخطط للإصلاح المتدرّج وفق رؤيةٍ مناسبة آخذاً بعين الاعتبار الإمكانات المتوافرة. أما ترداد المطالب الباردة فليست من الإصلاح في شيء. وإن التطبيقات الواقعية ليست منبتّة عن رؤىٰ نظرية وينبغي أن تتسق مع ثقافة الأمّة. ومن جهة أخرىٰ تناور التطبيقات عند التنفيذ بين مخلّفات ألغامٍ خبيثة وإمكاناتٍ محدودة. فمثلاً ما كان لتفكيك جذور النزاع إلا أن يكون تدريجياً. ولقد وضع التحرير المسيرةَ علىٰ سكّة تفاهمٍ لا يمكن تناسيها؛ ألا وهي الصفح وعدم الانتقام العام، وهو الأمر الذي أثار الأسىٰ بين قطاعاتٍ واسعة من الشعب تلهج قلوبهم بقولة: أليس القصاص من المجرمين هو الجزاء العادل؟ نظرياً نعم هو العدل، ولكن عملياً هناك ألف عائق دون ذلك.

إعادة هيكلة الشبكات المسلّحة التي ساهمت في التحرير أمرٌ مطلوب دونه عوائق. فبشكل طبيعي هناك ممانعة من بعض هذه التشكيلات التي طبع رؤيتها ونمط حياتها عقدٌ من الجهاد. وهناك تشكيلاتٌ خالطتها الغيرة، وعيونها ترمق القصر. وهناك تشكيلاتٌ مناوئة للتحالف الذي قام بالتحرير. وهناك تشكيلاتٌ لها ارتباطات خارجية تأمل بتنشيطها… ولذا فإن التعامل مع هذه التشكيلات معضلة، حيث لا مواجهتها بالقوة هو المدخل الصحيح، ولا تغيير هوياتها ذات الطبيعة العضوية أمر يخضع لآلياتٍ سياسية اصطناعية.

وإذ أن الحرب الأهلية احتمال نظري لا يمكن لجادّ ألا يرقُبه ويعمل علىٰ كبت دواعيه، ليست سياسات اللطف مع الشياطين هي التي تُبعد عن مثل هذا الصدام. وطبعاً الإهانة هي ممّا يقدح الصدام المجتمعي، وكذا التجاهل الكامل للحاجات الرئيسية للمجموعات الحانقة. لكن معرفة الحاجات والحساسيات أمر،  والاستجابة لكلّ مطلب أمر آخر؛  وهو مستحيل عملياً.

ولا يخلو تكرار مسألة الحرب الأهلية من إقناعٍ للنفس بها من خلال ذات ذاك التكرار. إن ثقافة الشعب السوري هي الأبعد عن منطق هذه الحرب، وإن كان –لا مراء– قد تشكّل وعيٌ عام بوجوب التسلّح ودفع العدوان، ولكنّه دفعٌ سلبي يخصّ –فحسب– الحماية من التنكيل الثقافي والإعادة إلىٰ القفص. إن النزاع في سورية هو أقرب إلىٰ النزاعات الهجينة الموزّعة بين تكتّلات مصالح من ثلاثة أنواع علىٰ الأقلّ: شبكات أباطرة النظام القديم، وشبكات التحايل علىٰ القانون، وشبكات هوياتٍ مغلقة تستقوي بالخارج وبالعدو اللدود. حاجة الدولة إلىٰ تحريك الاقتصاد وعدم الإسهام في زيادة اختناقه هي التي تدعو إلىٰ التفاوض مع النوع الأول. النوع الثاني يُطلب تصغير حجمه من خلال إنشاء فرص استرزاقٍ لأولئك الذين تدعوهم الحاجة إلىٰ ممارسات التهريب والتحايل علىٰ القانون وما شابه ذلك. أما النوع الثالث فإنه ممتنعٌ عن المعالجة.

إن المراحل الانتقالية هي تعريفاً مراحل تذبذبٍ تمثّل سلسلةً من لحظات الخطر التي ليس تجاهها بلسمٌ متّفق عليه. وإلىٰ جانب المساندة الشعبية الواسعة، لا يقف في وجه هذا الخطر مثل (1) تماسك النخبة الحاكمة، (2) وإحكام منطق الأولويات، (3) والقدرة علىٰ نسج تفاهماتٍ مع العديد من الأطراف. والمشروع الوطني الجامع ليس هو ذاك الذي يلبّي مطالب جميع النخب، وإنما ذاك الذي يقدّم معادلةً يمكن أن ترضىٰ بها النخب بحسب وزنها وسمتها. ولكن هناك سمتٌ متنافرٌ مع المطلب الجديد لصيغة الدولة، وهناك وزنٌ متضخّم. وكما هو معروف، من خلال التمترس بالوصفات الحداثية تعزّز الأقلّيات في سورية منطق المظلومية وتطالب بما هو إلغاء عملي لسيادة الدولة. ولذا يضع الحكم الرشيد لنفسه أولياتٍ، بعضها بمنزلة الضرورة (سخط مَن سخط ورضي مَن رضي)، وبعضها الآخر أقلّ أولية…

وبعيداً عن الأحلام الأيدولوجية والتفسيرات العدوانية، لعلّه ليس هناك خلاف أنه تكمن الأولوية في أمرين. الأول هو إرساء نمط إدارةٍ رشيدة وفق طرقٍ مهنية جرت أقلمتها مع واقع البلد، بما في ذلك الاعتبار الجدّي للامركزية وتفصيل ما هو مناسبٍ للحالة السورية بحيث يتضاعف تحصيل الخبرات وتتناقص أعباء الإدارة ويحصل الإنصات إلىٰ السجايا المحلّية. الثاني هو تطوير ثقافة سياسية-إدارية جديدة.

موقع الرسوخ والإضرام

من الملاحظ تكرار ورود لفظ الجيوسياسة في الوعي الشعبي العام، ولكن كثيراً ما يتخلّف تنزيل هذه المفاهيم علىٰ الحالة السورية. سورية بلاد الشام أرضٌ ما زالت موقع تراطم الإمبراطوريات… ولذا فإن التمسّك بمواصفات الدولة الصغيرة الآمنة الراغدة لا يعدو أن يكون أحلام يقظة. وإذا كان تخيّل حلٍ سلسٍ للنزاع حول أوكرانيا أمر صعبٌ، فإن تخيّل حلٍّ سلسٍ لسورية (أكبر حيزٍ في بلاد الشام) أمرٌ يفوقه صعوبة.

التحدّيات الكبرىٰ ما زالت تحيط بموقع بلاد الشام. الحضور الأمريكي لم ينقشع وإنما يعدّل في استراتيجيته، واستراتيجية القيصر الروسي لم ولن تتبدّل وهي رهينة لتوافر إمكانات التأثير الفعّال ولا سيما في سياق الحرب الأوكرانية. البلدان الأوربية في تناقصٍ مستمرٍّ في الأهمية والوزن، ولكن ما زال لها أدوار دبلوماسية وتأثيرات ثقافية، كما أنها تحتضن المطالب الناشزة للأقليات. إسرائيل أدخلت نفسها مدخلاً ضيقاً يفوق إمكاناتها ولا تستطيع الإحاطة بتبعاته، وهذا ممّا يدفعها إلىٰ العدوان المستمرّ. إيران التي كانت موكلة بالمنطقة (وكأنها الجناح الثاني الموازي للدولة المارقة) تنتظر اللحظة المناسبة لعودة الغفلة وتلكؤ الجهود التي تحجزها؛ أي أن إيران لم تخرج بالكلّية من معادلة المنطقة، كما أن عندها من الصلابة الإيديولوجية وتعدّد وسائل التأثير ما يجعلها تنتظر بكيدٍ لم ييأس. تركيا حليفٌ مهمٌ بحكم الجغرافيا كما بحكم التاريخ، ولكن لها أولوياتٌ خاصّة وحسابات دقيقة وسقوفٌ للدعم خفيضة. دول الخليج مرّت بتغيّراتٍ لافتة في العقد الأخير، ولكن ليس من دعمٍ إلا وله حدود.

ضمن هذه الخارطة المعقّدة، تبدو اهتمامات بعض الناشطين اهتمامات سطحية حقاً، وإذا سلّمنا ببراءتها فإنها تشتّت التركيز وتُبعد عن المنال.

انتهت الثورة وبدأ البناء عبر ثورات

انتهت الثورة مع التحرير خطابٌ مناسب للفئات المسلّحة المتناثرة. أما البناء المستأنف فيحتاج إلىٰ ثورات في أحياز الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وتحكيم أطرٍ أصيلة لتنظيم المجتمع وإدارته، ثمَّ النسج المتأنّي ضمن هذه الأطر.

ومن المعلوم أن توصيات المؤسّسات العالمية هي من أجل تمكين التحكّم عن بعد. والدعوة إلىٰ استيراد الحلول الجاهزة هي دعوةٌ إلىٰ تفريغ مطلب الثورة من محتواه وصدٌّ عن بلوغ مآرب التغيير الشامل. الخبرات العالمية هي كذا خبرات جديرة بالتدبّر والاعتبار، وما يُظنّ منها أن فيها فائدة تحتاج إلىٰ التبيِئة كي تناسب الحال والمقام.

في أوائل سنيّ الثورة التقيت يوماً بدكتور أمريكي خبير شارك في تصميم النظام السياسي في العراق بعد الغزو، معتبراً أن هذه الخلفية تؤهلّه أن يكون المرجعية في الحديث عن مستقبل سورية. فرفعت يدي للسؤال وقلت مستدركاً: في العادة إذا صمّم مهندسٌ بناءً ثمَّ تهدّم البناء، يُحمّلون المهندس المسؤولية وربما يجرّدونه من حقّ الممارسة لحين. ففي ضوء ما آل إليه وضع العراق، ألا تعتبر نفسك مسؤولاً، وربما تخطِّئ مدخلك للحلّ؟ أجاب بجملةٍ قصيرةٍ، ثمَّ تابع عرضه لفنّياتٍ مُنجّمة للمدخل الأمثل لمستقبل سورية.

 التحدّي الكبير أنه ليس في النماذج القائمة عالمياً ما هو مناسب للقدّ السوري، لا في الاقتصاد ولا في السياسة، ولا في الاجتماع من باب أولىٰ. والمفارقة أن أولىٰ النماذج في تقليب النظر فيها هي نماذج الدول الصغيرة الفقيرة ومتوسطة الحال.

الطيّبون في حال انتظارٍ دائم لأن تصفو القلوب فتنحلّ مشاكل الأرض، أما الفنّيون فيعودن إلىٰ قراطيس دليل الاستخدام بحثاً عن خطواتٍ مرقومة للحلّ. ومن جهة أخرىٰ، الإكثار من ترديد عبارات إعادة الثقة، حلحلة العقد الاجتماعية، طمأنة الأقلّيات، العدالة الانتقالية، دولة القانون، الخطاب الوطني، دولة حديثة… هذا السلوك ليس إلا طقوساً لا تبني واقعاً. وإن الإكثار من ترديد هذه العبارات العامّة يصرف عن واجب الوقت في تطوير ما يناسب خصوصياتنا، ويقود إلىٰ الاستغراق في الفنّيات قبل رسم الأطر، ويذهل عن تاريخ المنطقة وهويتها.

إنّ المطلوب تحرير رؤيةٍ عملية تبتعد عن محض الأماني، ثمَّ تحديد خطواتٍ وفق شروط مهنية مناسبة. وهذا طيف واسعٌ جدّاً من المَهمّات، فليس هناك وجهٌ من أوجه الحياة إلا ويحتاج ثورة، لا بمعنىٰ الفرض أو حرق المراحل، وإنما بمعنىٰ التغيير الجذري في منطق المعالجة وفي طبيعة البديل، بحيث يتمّ تشييد ما يناسب المجتمع السوري وإمكانياته وأولوياته.

طبيعة البديل، بحيث يتمّ تشييد ما يناسب المجتمع السوري وإمكانياته وأولوياته.

☆☆☆☆☆

لا يمكن لسورية الجديدة أن تبدأ من نقطة صفرٍ خاوية ولا ينبغي؛ تماماً لأن جغرافيتها وتاريخها حاضران في الأعماق. وإنّ تجاهل هذا يعيدنا إلىٰ الإشكال الأول عند تأسيس سورية الحديثة، ويمهّد لعودة ما ثارت عليه الثورة. والتفاوض مع قوىٰ الرفض إنما هو في الإجرائيات، لا يمكن أن يدخل فيه قطع الجذور وزرع البذور في الهواء. وإنّ معادلة التأليف ليست قانونية فحسب، فالقانون إنما هو ترسيمٌ لرؤيةٍ ثقافية مستصحبة. وليس في مخزوننا الحضاري أي نقصٍ في الصيغة المثلىٰ للاجتماع ولا في التعامل مع الآخر. وأي إنقاصٍ من أعماق سورية كوحدة رئيسية في بلاد الشام وككتلة ثقافية عريقة وكمجتمع متفرّد بخصائص تاريخية… أي إنقاصٍ من هذا هو تقزيمٌ للمشروع المستقبلي، بل خنقٌ له. وأخيراً تأتي فنّيات الوسائل والإجرائيات التي مهمّتها خدمة الوجهة الحضارية للبلد وتنظيم مسيراتها وحمايتها ممّا يغيّر طبيعتها.

مازن هاشم
23-10-2025

Tagged: , , ,

2 thoughts on “ما بعد التحرير: تجسير النظري مع العملي، وشيءٌ من التفرّد الثقافي…

  1. أفاتار غير معروف
    غير معروف 2025/10/24 عند 11:57 م Reply

    السلام عليكم ورحمة الله… بعض ما ذكرت هو من سنن الله الاجتماعية في النفس البشرية وايقاعها مع سَنَن الله في الكون .. وما تقاطع سنن الصعود التراكمي لامتنا مع سنن التدني التراكمي في امم الغرب الا احد الشواهد على التمكين لامة والزوال لاخرى… تقاطع يحكمه التدافع والدفع الانساني

    وهنا تحضرني مقولة بارك المندوب السامي؟! لسوريا حين قال لا يمكن العودة والجدل حول سايكس بيكو فهي واقع وفي لقاء آخر قال ان اسرائيل لها الحق فقط في خرق اتفاقية سايكس بيكو … الغرب يرسخ الانقسام ثقافيا وسياسيا واقتصاديا وان لم تنفع الادوات اعلاها …عندئذ يتدخل الفيتو والمنظومة الغربية والشرقية معا لترسيخ التقسيم عسكريا او بالنيابة عنهم عسكر بني جلدتنا …

    ان مستشعرات الغرب الاحصائية ادركت ان شعوبنا بدات تراجع منظومة التقسيم او معاهدة سايكس بيكو وما تحرك البدو الا اخد المؤشرات لمخاوفهم …

    وما اقبال الغرب على الاعتراف المبكر بالثورة ورجالاتها الا من قبيل محاصرتها في سوريا قبل ان تنتشر في لبنان والاردن وغيرها من دول المنطقة … هي عملية احتضان ماكرة مخافة تجاوزها الحدود اي اتى الاعتراف محاصرة لهذا السرطان ! فكانت جرعات الاشعة بنيران اسرائيل لكل وسائل الدفاع والقوة عند الثورة لمحاصرة هذا السرطان (السرطان هو الاسلام السياسي الذي بدا ياخذ طريقة السليم الى الاسلام الوسطي المسلح) … ثم اتت مرحلة المعالجة الفيزيائية بالفتن والمكر لمنع رسوخ حالة اقتصادية مستقرة … ان شاء الله سانوه الى مقالك القيم في الجزء الثالث (سنن الله في النفس) من كتاب السنن (سنن الله في الكون والافاق والانسان) الحمد لله انتهى الجزء الاول منه والجزء والثاني في مراحله الاخيرة. جزاك الله عنا خير الجزاء

    ايمن ع

  2. أفاتار غير معروف
    غير معروف 2025/10/25 عند 6:45 ص Reply

    Good analysis

اترك رداً على غير معروف إلغاء الرد