طريقتي في قواعد العلامات والترقيم
هبطت علينا علامات التنقيط في الكتابة من ثقافات أجنبية، وتعاملنا معها باعتبارها وسيلة حديثة تساعد على الترتيب والفهم. وكثيراً ما يكون استعمالها بحسب ما جرى وكأنها تُستخدم من أجل تزيين النصّ، ولكن صيغت القواعد، ومنها ما هو ترجمة حرفية لقواعد لغاتٍ أخرى ومنها ما هو أكثر أصالة.
وباعتباري ممّن يكتبون، فإن هذا الأمر يهمّني جداً، واعتبر استراتيجية تنقيطي جزءاً من فنّ المقال من ناحيتَي الفهم والتأثير. وهناك ثلاثة مبادئ تُحدّد مذهبي في التنقيط.
1- الإقلال خير من الإكثار.
2- أولوية التنقيط هو تيسير الفهم، فهو الحاكم على مبرّر الاستعمال وليس الحاكم قاعدةٌ جبرية.
3- ليس النحو وحده هو الذي يحكم مناسبة التنقيط.
وحيث أني أمجّ بعض أساليب التنقيط المعاصرة في العربية، وأشعر أنها تعتدي على النص (وخاصة حينما تُفرض على أسلوب الكتابة التراثية شديد الترابط الداخلي)، فسوف أفصّل في التعليقات القادمة في بعض القواعد التي ألتزم بها لعلّ في ذلك فائدة.
علامة الفاصلة (،)
هي أشهر علامة وأكثرها استعمالاً. وقد درج استعمالها في الكتابة العربية على نحوٍ أرى فيه إساءةً للنصّ المقروء، وذلك عند الإكثار منها وربط مناسبة استعمال الفاصلة بقراءة التلقين الجهرية، ولذا أسميها قاعدة “النَفَس”. وما يلي أمثلة عن الطريقة التي أرتاح إليها وأرها تعين القارئ:
1- للفصل بين الأجزاء المكوّنة لمضمون الجملة، وما يلي أمثلة:
مثال:
“التصوير هو الأداة المفضّلة في أسلوب القرآن، فهو يعبّر بالصورة الحسّية المتخيّلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس والمشهد المنظور، وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية.” سيد، التصوير الفني
مثال:
– ويحدُّ البلقان من الشرق البحر الأسود، ومن الجنوب البحر المتوسط، ومن الغرب البحر الأدرياتيكي.
قلت: لا أرى حاجة لاستعمال أي فاصلة في هذه الجملة، فالجملة ليست طويلة، والفواصل تبطّئ القراءة، ومبرر استعمالها تخيّل امرئٍ يقرأ على المستمعين ببطء ويحتاج أخذ النفس، أو كأنه واعظ ينبّه أن اسمعوا وعوا. وقارن بالجملة التالية:
– ويحدُّ البلقان من الشرق البحر الأسود الذي تتربّع عليه دول قوية ذات موارد كثيرة، ومن الجنوب البحر المتوسط الذي يفصل بين حيّزين حضاريين، ومن الغرب البحر الأدرياتيكي.
قلت: من الواضح أن الجملة الثانية يناسبها وضع الفواصل، حيث تساعد في الفهم والتركيز على خصائص كل كتلة.
تأمّل المثال التالي:
– همُّنا في هذه الفقرة، فهم الثقافة السياسية في تاريخنا، وتطوُّرها وتشكُّلها.
– همُّنا في هذه الفقرة فهم الثقافة السياسية في تاريخنا، وتطوُّرها وتشكُّلها.
– همُّنا في هذه الفقرة فهم الثقافة السياسية في تاريخنا وتطوُّرها وتشكُّلها.
قلت: الخيار الأول مرفوض فلا داعي لإثبات الفاصلة، وكأن النصّ هو لقارئٍ يقرأ جهراً وببطء.
الخيار الثاني فيه فاصلة بعد كلمة “تاريخنا”، ومبرر وجودها هو أن الجملة مفيدة ويمكن أن تنتهي عندها، وأن ما بعد الفاصلة زيادة.
الخيار الثالث هو عدم استعمال فواصل لأن الجملة ليست طويلة والفاصلة لا تساعد حقاً في فهم الجملة، ولأن “فهم” الثقافة ليس منفصلاً عن تطورها وتشكلها.
الخيار الثالث هو خياري. أما إذا أردت أن فهم الثقافة يكاد يكون منفصلاً عن فهم تطوّرها، فالخيار الثاني وارد.
2- الفاصلة بعد شبه الجملة التي هي بمثابة المقدمة. مثال:
– ولتبسيط معالجة هذا الموضوع، يركِّز هذا الفصل على…
– ومن الناحية الإدارية، كانت سلطةُ الحكومات المسلمة مقيدةً بشرعٍ من خارجها إلى جانب استقلالية القضاء.
قلت: هل نحتاج إلى فاصلة بعد كلمة “الإدارية”؟ أقول هو مستحب لكي يتأكّد في الفهم أن ما يلي يخصّ الأمر الإداري فحسب. ومما يؤكد مناسبة الاستعمال شمول المقال لناحية اقتصادية وإدارية وقانونية… وهذا الاستعمال يساهم في توضيح الكتابة العلمية، ولكنه قد لا يكون له احتياج في الكتابة الأدبية.
3- الفاصلة بعد كلمة تنبيهية واحدة في أول الفقرة. أمثلة:
– والخلاصة، يمكن اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية جنّةً تعدُّدية إذا كنتَ تؤمن بالفردية المطلقة.
– وأخيراً، بمقارنة مختلف الدراسات المخبرية توصّل العلماء إلى المصل المضاد.
– ومثلاً، استطاعت ماليزيا الخروج من أزمتها المالية من خلال عدم اتباع نصائح المصرف الدولي.
قلت: استعمال الفاصلة أعلاه أمر اختياري، ومبرّره هو التنبيه على أن هذه الجملة/الفقرة هي خلاصة القول، أو التنبيه على أن هذه الجملة هي آخر نقطة نذكرها في الموضوع، أو أن المثال التالي هو مجرد شاهد للاستئناس والتوضيح وليس للبرهان.
وهناك من يستعمل (:) بعد كلمة الخلاصة/أخيراً/مثلاً. وأرى ذلك غير مناسب أبداً، وأحسب أن حصر علامة النقطتين (:) بالتعداد أولى (وسيأتي ذلك). وأيضاً هناك احتمال أن يكون ما بعد كلمة “الخلاصة” شرح طويل وجمل متعددة، مما يميّع دور الـ (:).
وهناك من يقول إن استعمال الفاصلة في هذه الحالات يعتمد على إعراب ما يليها. أقول في هذا تعقيد بالغ ويعجز عن حزره أكثر الكتّاب.
4- الفاصلة في الجمل الطويلة والمركبة. أمثلة:
– لا يمكننا فهم الثورات العربية من غير اعتبار السياقات الكبرى المحيطة بها، فحيث أن الكتلة العربية هي مجموعة ثقافية كبيرة يجمعها لسانٌ واحد، وباعتبار أنه ترسّخ فيها دينٌ له كمون عالمي، ونظراً للامتداد الجغرافي الواسع للبلدان العربية وتوسّطها بين القارّات، وحيث أن هذه المنطقة زاخرة بثروات طبيعية، ولما أصبحت مساوئ بلدان الحضارة الغربية شاخصة، زال العجب من اجتماع الكيد العالمي ضدّ هذه الثورات من قِبل دولٍ ترفع شعار الحرية والديمقراطية.
قلت: هذه جملة طويلة، وتساعد الفواصل على جعلها مفهومة لسببين: جرى استخدام الفاصلة بين الوحدات الأساسية للفكرة، وجرى الالتزام بقاعدة التوازي. والمقصود بقاعدة التوازي هو توازي أو توازن أجزاء الفكرة، حيث لم يتمّ التفصيل في واحدة من الأفكار والاختصار في فكرة أخرى.
وهناك خيار راجح في المثال أعلاه أن تُستعمل الفاصلة المنقوطة قبل آخر جملة باعتبارها جواباً لـ “حيث” و”حيث”… فتصبح الجملة الأخيرة كالتالي:
شاخصة؛ زال العجب من اجتماع الكيد العالمي ضدّ هذه الثورات من قِبل دولٍ ترفع شعار الحرية والديمقراطية …
مثال آخر:
– تصاعد الحسُّ بأهمية منصب الخليفة، وقيمته المعنوية، ووجوب حمايته، وبرز في لحظةٍ لم يكن قد تشكَّل عندها بعدُ فقهٌ يضبطه، ولا ممارسةٌ تجعله من رسم الحياة.
– تصاعد الحسُّ بأهمية منصب الخليفة وقيمته المعنوية ووجوب حمايته، وبرز في لحظةٍ لم يكن قد تشكَّل عندها بعدُ فقهٌ يضبطه، ولا ممارسةٌ تجعله من رسم الحياة.
– تصاعد الحسُّ بأهمية منصب الخليفة وقيمته المعنوية ووجوب حمايته، وبرز في لحظةٍ لم يكن قد تشكَّل عندها بعدُ فقهٌ يضبطه ولا ممارسةٌ تجعله من رسم الحياة.
قلت: في الخيار الأول، لا أرى أي مبررٍ لاستعمال الفاصلة الأولى والثانية، بل هو مشوّش. وهو يتبع قاعدة النَفَس والقراءة البطيئة، ولذا فالخيار الأول مرفوض عندي.
الخيار الثاني محتمل، والسؤال فيما إذا كنا نحتاج فاصلة بعد كلمة “يضبطه”. أرى أننا لا نحتاجها فهي تخلّ بقاعدة التوازي. يعني إذا لم نستعملها (كما هو الأمر في الخيار الثالث) يصبح عندنا توازي بين شطري الجملة.
مبرر رجحان الخيار الثالث هو أن الفاصلة الثالثة قبل كلمة “برز” مناسبة لأنها تتعلّق بموقعٍ من الجملة فيه انتقال فيما يُقصد شرحه، ويتوّج ذلك أن ما بعد فعل “برز” فيه معنى هو الأهم في الجملة. ومن أجل التوازي المفهوماتي في الذهن لا نحتاج إلى فاصلة بعد كلمة يضبطه. يعني كل ما قبل الفاصلة يتوضّع في كفّةٍ ذهنية واحدة، وكل ما بعدها يتوضّع في كفّة ثانية.
وأنبّه إلى أن استعمال الفاصلة يتعلّق بذوق الكاتب وما يريد أن يؤكد عليه.
5- الفاصلة المشرذِمة:
:أبشع استعمال للفاصلة هو وضعها بين الكلمات المفردة المعطوفة. مثال
– وعلينا التخطيط لرواج البضائع في الشتاء، والخريف، والربيع، والصيف.
– ولقد سُجّل ارتفاع متوسّط درجات الحرارة في آسيا، وإفريقيا، وأوربة.
– ولهذا الفيروس تأثير على الجهاز التنفسي، والهضمي، والعصبي.
قلت: فأيّ حاجة لمثل هذا الاستعمال؟ فالجملة قصيرة، والفاصلة تكرّر وظيفة الواو ولا تزيد في التوضيح. وهذا الأسلوب فيه تقليد شبه حرفي -ومشوّه- للغاتٍ أجنبية.
علامة النقطة (.)
لا بأس بالجمل الطويلة، ولكن لا أرتاح إلى تطويل الجمل بلا حاجة وموازنة ذلك بحشر علامات الفواصل. وأرى أنه إذا وفّت الجملة المعنى واكتملت نحوياً، فمبرر وضع علامة النقطة راجح. ويبدو لي أن بعض الكتّاب يشعرون أن الفكرة القادمة لها ارتباط بالتي قبلها، فيضعون فاصلة ويخشون من إنهاء الجملة بعلامة النقطة. وقد يدلّ الإحجام عن استعمال النقطة على تشوّش فكرة الفقرة، أو على عجزٍ عن تبيين أطراف المسألة. ولكن إذا كان الترابط شديد بين أجزاء الفكرة، فلا ضير من أن تكون الجملة طويلة.
وما يلي أمثلة عن خيارات في استعمال النقطة:
– إن دراسة تاريخ تطوّر علم النفس المعاصر أمرٌ ضروري من أجل فهم خصوصيته الثقافية. وبديهةً معطياتُ علم النفس المعاصر -بخلفيته العَلمانية- معطياتٌ مختلطةٌ ليست بموئلٍ شافٍ في بناء الفرد المسلم.
قلت: لاحظ أنه يمكننا استبدال النقطة بعد كلمة “الثقافية” بفاصلة. ولكن إبقاء علامة النقطة أَولى لأن المعنى اكتمل، والجملة الثانية تنشئ معنى ثانياً وإن كان مرتبطاً.
– إنّ النهضة لا تتمّ من خلال تنميةٍ رتيبةٍ على مقاعد للدراسة مزوّدةٍ بأحدث المنتجات، وإنما بنمطٍ تدريسيٍّ على طريقة “تعليم المقهورين”. وكثيراً ما تصبح الوسائلُ الوثيرة عائقاً أمام النهوض لما تورثه من خلودٍ إلى المادّة، وخاصةً إذا كانت الموارد الذاتية للبيئة تفتقد القدرة على كلَف تشغيل هذه الوسائل وصيانتها. كما تُنشئ الوسائلُ الوثيرة اعتماديةً وعجزاً عن الإبداع إبداعاً مستنداً إلى ما هو متوافر في البيئة.
قلت: لاحظ أننا نستطيع أن نستبدل كل النقاط في الجملتين أعلاه بفواصل. ولكن أفكار الجملة كثيفة، ووضع النقاط (كما هو في المثالين أعلاه) يساهم في تسهيل الفهم ولا يظلم المعنى، بل ينظّم التفكير. وذلك لأن كل جملة قائمة بنفسها وتؤدّي معنى مستقلاً، وإن كان لمعانيها ارتباط بما قبلها.
علامة الفاصلة المنقوطة (؛)
أشعر أن الاستعمال الشائع للفاصلة المنقوطة في الكتابات المعاصرة فيه قدر من الاعتباطية عند بعض الكتاب، وقدر من التحكّم القواعدي المشوّش عند آخرين.
الالتزام بقاعدة إثبات الفاصلة المنقوطة قبل الجملة التفسيرية مفهوم ولكنه غير منضبط. هو غير منضبط لأنه تكاد تكون كل جملةٍ تفسيرية لما قبلها ولو بشكل جزئي. وهو مشوّش لأنه سوف ينتج عنه الإكثار من استعمال الفاصلة المنقوطة. ويُجاب على ذلك بأن الجملة التفسيرية هي التي تبدأ بحروف تستهلّ التفسير. لكن أرى أن استعمال الفاصلة المنقوطة قبل (لأن، لـِ، بسبب، حتى، حيث، من أجل، فـ السببية) يجعلها طاغية في النص، وخاصة في الكتابة العلمية. ثم إن هذه الأحرف بذاتها دالّة على التفسير، وزيادة الفاصلة المنقوطة قبلها طقس لا داعي له. وكما قدّمت، لا أرى صواب تكرار العلامة لوظيفة تقوم بها اللغة نفسها.
ولكن إذا كان هناك عدد من الجمل وأشباه الجمل تفصلها فواصل ويأتي ما هو بمثابة التفسير لجميعها، فعندها يكون استعمال الفاصلة المنقوطة مناسب وربما مستحب.
وانظر في هذه الجمل كأمثلة:
– والإشارة إلى هذين البُعدين مهمَّةٌ؛ لأنه كثيراً ما يتمُّ إفراد عامل واحدٍ.
– والإشارة إلى هذين البُعدين مهمَّةٌ لأنه كثيراً ما يتمُّ إفراد عامل واحدٍ.
قلت: يعني جملة قصيرة مفهومة، فما الداعي للفاصلة المنقوطة في الخيار الأول؟ بل أشعر وكأنها توقف السيّالة الذهنية في منتصف المشوار.
– نريد دولة القانون؛ فهي مصدر سعادتنا، ومبتدأ نهضتنا.
– نريد دولة القانون فهي مصدر سعادتنا ومبتدأ نهضتنا.
قلت: جملة قصيرة من ثماني كلمات، والفاصلة المنقوطة تعتدي على “فهي”، والفاصلة الثانية لا حاجة لها على الأرجح.
– أصبح المطلوب وجود إطارٍ جامعٍ؛ لكي لا تَتنافر الشعوب ولا تَتمحور القبائل حول نفسها عصبيةً جاهلية.
– أصبح المطلوب وجود إطارٍ جامعٍ لكي لا تَتنافر الشعوب ولا تَتمحور القبائل حول نفسها عصبيةً جاهلية.
قلت: سل نفسك هل الخيار الثاني مفهوم بنفسه، وهل الفاصلة المنقوطة في الخيار الأول تساعد على الفهم أم استعمالها هو محض ارتهانٍ لقاعدة؟
مثال آخر:
– أمَّا في مسألة الجندر فالفوارق بين الجنسين مفطورة لا ينكرها عاقل، والتمييز مطلوب؛ من أجل رعاية الخصال المخلوقة.
– أمَّا في مسألة الجندر فالفوارق بين الجنسين مفطورة لا ينكرها عاقل، والتمييز مطلوب من أجل رعاية الخصال المخلوقة.
قلت: يتميّز الخيار الثاني بمقابلة شطري الجملة، في حين أن الخيار الأول لا أراه إلا تحكّماً قواعدياً لا داعي له ولا يساعد على الفهم ولا يزيل الوهم.
أمثلة عن استعمال سائغ للفاصلة المنقوطة:
وكان من نتائج خطط التنمية المستوردة الأمور التالية: إقصاء الأنا الإسلامية، ومزيد من تغييب الوعي التاريخي، والتبعية العلمية التقنية، وتجذير الدكتاتورية؛ وبذلك ضاعت النهضة وضاعت الحرية معها.
قلت: من الواضح أن الفاصلة المنقوطة أتت في نهاية الفقرة حيث يليها جملة جوابية أو معنى حاسم ينطبق على كل الجمل قبلها التي بينها فواصل.
قلت: لكن لا أرى من المناسب أن تأتي كثير من علامات التنقيط بعد الفاصلة المنقوطة، فحينها يكون الأولى أن تنفصل بجملة مستقلة.
ومن المستساغ استعمال الفاصلة المنقوطة قبل “أي”؛ فأي هي أصلاً محاولة للشرح بعبارة أخرى. وكذا أقبل استعمال الفاصلة المنقوطة قبل “إذ”، وقبل “بل” في بعض الأحيان.
أمثلة:
عندما نتحدث عن مفهوم “العلم” لا بدّ أن نتحدث عن “القيم الموجّهة” له؛ إذ ليس هناك علم دون قيم موجهة.
فالقصد من ترويج المصطلح المستورد “الحق التاريخي” هدم خاصية التنوع الاجتماعي للمجتمع الإسلامي منذ صحيفة المدينة إلى المجتمع الأموي إلى المجتمع العباسي والعثماني، والتحوّل عن هذا الانتماء الجامع بحيث يصبح الانتماء الديني أو الإثني انتماءً لثقافة مستقلة؛ بعبارة مختصرة تحويل حقيقة التنوع الاجتماعي داخل ثقافة واحدة إلى حرب داخلية بين ثقافات.
ملاحظة: قواعد استعمال الفاصلة المنقوطة في الكتابة الإنكليزية مختلفة تماماً عما ذكر أعلاه، ونادراً ما تُستعمل.
علامة الاستفهام (؟)
لا يُشكل عليَّ في استعمال علامة الاستفهام إلا مسألة واحدة. فهل المناسب استعمالها بعد السؤال المباشر، أم مع أي صيغة فيها حرف استفهامٍ بما في ذلك السؤال الاستنكاري؟ انظر الأمثلة التالية:
– ما هي الأولويات في إسعاف الناس في حال الأوبئة؟
– هل يُعقل أن تتسيّد الصينُ العالمَ وليس عندها مبادئ عالمية جامعة؟
– هل الخصال الثقافية المذمومة هي ناتج عن الاستبداد أم مولِّدة له؟
– كيف يمكن للفتوى أن تكون راشدة إذا كانت غير ضالعةٍ بفهم الواقع؟
– فأجابت: أتريد لقلبي أن يطمئن وأنت تعرّض نفسك للأخطار؟
قلت: هذه أسئلة مباشرة يصلح معه استعمال إشارة الاستفهام.
ولكن انظر إلى المثال التالي:
– قراءة التاريخ ليست مُهمَّةً لمجرَّد معرفة ماذا حدث، وإنَّما التعويل على معرفة كيف حدث ما حدث؟
– قراءة التاريخ ليست مُهمَّةً لمجرَّد معرفة ماذا حدث، وإنَّما التعويل على معرفة كيف حدث ما حدث.
قلت: كلمة “كيف” في الجملة أعلاه ليست سؤالاً في حقيقته، ولا داعي لاستعمال علامة الاستفهام.
وانظر المثال التالي الذي صيغ بعدة طرق:
– ما هي قواعد سحب الثقة عن الحكومة؟
– وحدث أثناء المناقشة جدال طويل عن قواعد سحب الثقة عن الحكومة.
– وحدث أثناء المناقشة جدال طويل عمّا هي قواعد سحب الثقة عن الحكومة.
قلت: الصيغة الأولى سؤال مباشر يحتمل وضع إشارة الاستفهام.
ولكن الصيغة الثانية ليست سؤالاً وإنما تقرير، وكذا الصيغة الثالثة وإن احتوت على حرف الـ ما، ولا أرى أنه من المناسب وضع إشارة استفهام.
علامة التعجّب (!)
أصبح هناك نفورٌ في الكتابات الجدّية من استعمال إشارة التعجّب. وسبب ذلك أن الكاتب وكأنه يعتمد الإثارة بدل أن يدلي بالحجّة. ولذا الأفضل تجنّب استعمالها، إلا إذا كانت عنزة ولو طارت!
وأتمنّى ملاحظة هذا من قِبل الجيل السابق من الكتّاب الذين ما زالوا يكثرون من استعمال علامة التعجّب في المناظرات.
نقطتا اللائحة والسرد (:)
نعرض خمس حالات ونقدّر مدى مناسبة استعمال الإشارة أعلاه:
1- قبل تعداد أجزاء فكرة:
– لا بدَّ من التنبيه إلى أمرين مهمين في طرح الكواكبي: أولاً…، ثانياً…
– تنقسم الأحمديَّة إلى قسمين: اللاهوريَّة، والقاديانيَّة الأكثر تطرُّفاً.
– يخضع تراثنا اليوم لقراءاتٍ من طرفين متقابلين: ذاك الذي ينتقص التراث، وذاك الذي يعتبره نهائياً لا حاجة لاجتهادٍ بعده.
2- قبل الاستشهاد بقول:
– وينبِّه ابن خلدون إلى قاعدة منهجية مهمّة حيث يقول: “اعلم أنَّ فنَّ التاريخ فنٌّ عزيز المذهب، جمُّ الفوائد، شريف الغاية…
3- قبل سؤال قبله كلمة تقديم:
– بعبارة أخرى: هل تحقّقت كل الشروط اللازمة؟
– بعبارة أخرى، هل تحقّقت كل الشروط اللازمة؟
قلت: أُفضِّل الصيغة الثانية.
4- هل نستعملها بعد تصريفات “قال” دوماً؟
– فهل يصحُّ القول: إنَّ هذه الحركة الاجتماعية لم تقم بواجبها المتوقّع منها؟
– فهل يصحُّ القول إنَّ هذه الحركة الاجتماعية لم تقم بواجبها المتوقّع منها؟
– ويتمُّ التساؤل فيما إذا ما كانت الأهلية السياسية تُكتسب في زمنٍ قصير، فإن قيل: لا، ظهر احتمال تأخّر الاستقرار.
– ويتمُّ التساؤل فيما إذا ما كانت الأهلية السياسية تُكتسب في زمنٍ قصير، فإن قيل لا ظهر احتمال تأخّر الاستقرار.
قلت: لا أرى حاجة لاستعمال ( : ) في هاتين الحالتين لأن المقام ليس نقلاً عن متكلّمٍ وإنما احتمال في الحجّة. والمعنى مفهوم بلا العلامة.
5- عدم تراكب وتعقيد ما بعدها. مثال:
– وفرّق ابن حجر العسقلاني في مسألة الخروج بين ثلاثة أنواع: خروج الخوارج، وخروج البغاة، وخروج أهل الحقِّ؛ حيث قصد بخروج البغاة ما كان تطلُّعاً محضاً إلى الملك وليس انفراداً في إحقاق الحقّ.
– وفرّق ابن حجر العسقلاني في مسألة الخروج بين ثلاثة أنواع: خروج الخوارج، وخروج البغاة، وخروج أهل الحقِّ. وقصد بخروج البغاة ما كان تطلُّعاً محضاً إلى الملك وليس انفراداً في إحقاق الحقّ.
قلت: ميزة الخيار الثاني أنه أبرز الخيارات الثلاثة. فما بعدها هو شرح والجملة تصحّ من غيره، فلا حاجة للتحرّج من وضع علامة النقطة واستئناف جملة جديدة. ووضع ما قصد في جملة منفصلة يركّز الذهن على المعنى المطلوب، كما يسمح بالتفصيل فيه بجملة أطول من المذكورة أعلاه.
ولذا لا أرى من المناسب أبداً أن يعقب علامة الـ ( : ) جملة طويلة فيها إنشاء معاني جديدة تخرج عن أصل قصد استعمال الـ ( : ) من ناحية سرد بضعة أجزاء.
والخلاصة، أرى أن وظيفة علامة الـ ( : ) مناسبة للنصّ على أمر مختصر، أو لتعداد أجزاء قصيرة تفصل بينها علامة الفاصلة.
الشرطة /(bullets) الشحطة/النقطة الغامقة
من ناحية التصفيف، من فضلك لا تستعمل الخاصية (الآلية) أعلاه من أجل فقرات طويلة. هي مناسبة فقط لسرد نقاط طول سطر أو سطرين وذات بُعدٍ واحد. يعني ليست مناسبة لفقرة فيها مناقشة لفكرة مع تفاصيلها.
أمثلة:
ويمكننا ملاحظة التطورات التالية في العلم الأوربي الحديث:
- انفصال العلم عن الفلسفة وخاصة الميتافيزيقا أو ما وارء الطبيعة (نيوتن).
- إنكار العلم للميتافيزيقا أو الوضعية المنطقية (حلقة فيينا).
- ليس في مقدور العلم تكذيب القضايا الميتافيزيقية (كارل بوبر).
أما على الصعيد البنيوي فنشير إلى العوامل التالية:
- التغيرات السكانية والهجرة من الريف إلى المدن وتغير البنية الاجتماعية.
- توافر مصادر جديدة للطاقة مكّنت المشروع الأوربي من التجذّر والانتشار.
- تحوّل طرق الإنتاج والمواصلات من البدني (إنسان وحيوانات) إلى الميكانيكي.
ومرة ثانية، ينبغي أن تكون جملاً قصيرة، ويفضّل أن لا تتجاوز سطرين. ولاحظ أنه يمكننا استعمال 1و2و3 في المثال الثاني، في حين أن الأليق للمثال الأول هو النقاط الغامقة. وسبب ذلك أنه يسرد المثال الثاني ثلاثة عوامل متضافرة، في حين يسرد المثال الأول ثلاثة تطورات ليست أجزاءً متضافرة.
بدء الجملة
هل يمكن أن تبدأ الجملة بـ : أو، لذلك، لكن، غير إنّ.
“لا أرى مشكلة في ذلك باستثناء “أو.
Thank you! Good job. Samir
شكرًا جزيلا لك. مقال رائع.