25/6/2011
توجهات السياسة الأمريكية
- من المعترف به أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية يغمرها همّان اثنان: الرغد و الاستقرار (prosperity and stability). أما المحددات الاستراتيجية العمليّة في المنطقة العربيّة فهي التالي:
1. ضمان أمن إسرائيل.
2. تعزيز التجزئة، من غير أن تصل حدَّ الانفلات، بحيث تبقى البلاد العربية ضعيفة بحاجة إلى الدعم الخارجي.
3. الدفع نحو نظام اقتصاديٍ رأسمالي تسيطر عليه ثلة صغيرة، اقتصاد مجحف في حقّ وسطيّ المواطن، يستهلك المنتوجات الأمريكية.
4. ضمان تدفق النفط والمواد الأولية.
5. دعم مؤسسات المجتمع المدني التي تُبشِّر بالثقافة الغربية.
- وفي مسيرة تأمين تحقيق هذه الاستراتيجية، يأتي التفضيل العملي تجاه النظام السياسي لبلدان العالم الثالث وفق الترتيب التالي:
1. نظام سلطاني (توارثي أو شبه توارثي يكون انتقال السلطة فيه مضمون ولا يحوي على مفاجأت)، وأن يكون لهذا النظام شرعيّة وطنيّة محليّة (مثلاً، المغرب).
2. نظام فيه تشكيلة ديمقراطية تسطير عليها نخبة لها ولاء ثقافي غربي تام (مثال لبنان).
3. نظام عسكري استبدادي، وبخاصة في البلاد المحوريّة، خوفاً من التقلّب ومن أمساك الشعب بزمام الأمور. ويعلو هذا الخيار حين تكون الثقافة الشعبية والضمير العام رافضين للهيمنة الخارجية (مثال مصر و سورية قبل الثورة).
- سلوك السياسة الأمريكية على الصعيد الخارجي –بما في ذلك التدّخل العسكري- تنفرد به الإدارة (الفرع التنفيذي) إلى حدٍّ كبير، ويتراجع دور الكونغرس إلى تصديقٍ لاحقٍ للخيار الذي تبنّته الإدارة (الرئيس + وزارة الخارجية + البنتاغون)، كما يعلو دور مصالح الثروة والشركات الكبيرة (مثال: الحالة العراقية).
- الشعارات الديمقراطية ترافق أي تصرّف سياسي، من باب إضفاء الشرعية الأخلاقية على الأمر، ويترافق ذلك مع محاورة في القوانين الدولية أو الالتفاف عليها.
- يشترك في إضفاء الصفة الديمقراطية على التدخّل السياسي والعسكري منظماتٌ مدنيّة لها إيديولوجيات إنسانية أو دينية. وبرغم النيّة الطيّبة للعاملين في هذه المنظمات، فإن النشاطات تحت عنوان حقوق الإنسان كثيراً ما تُتخذ غطاء للعبث بالبلد ولإخلال نسيجه الثقافي (مثال: المنظمات المهتمة بتحرير المرأة الأفغانية؛ السودان والتلاعب بحقوق الأقليات).
- لا تنفكّ مواقف السياسة الخارجية عن الانتماء الحضاري ولو كان الدافع المباشر هو المصلحة والسيطرة ووضع اليد على الثروات. وعند التدخّل يجري الحرص الكامل على إسناد السلطة لأفرادٍ موالين حضارياً وعلى إبعاد الوطنيّ ذي الثقافة الأصيلة ما أمكن (مثال: كوسوفو؛ دعم الشلبي ثم العلاوي في العراق؛ ما يجري حالياً في ليبيا).
- هناك توجهان في الساسة الأمريكيين في الأمور الدوليّة: الواقعيون والإمبرياليون. هذان التوجهان ومقتضياتهما يتشكلان في الخزانات الفكرية (think tanks) في خيارات متخصصي علوم السياسة والعلاقات الدولية والمؤرخين…، ويصطفّ موازياً لهما السياسيون بين الصقور والحمائم. ويميل الحزب الديمقراطي للخيار الأول والجمهوري للثاني، ولكن لا ينطبق ذلك انطباقاً كاملاً.
التأثير في المواقف العملية
- كدولة مقتدرة، تراقب الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار تموضعها العالمي، وتُعدِّل مواقفها وفق معطيات الواقع في البلدان الأخرى، محاولة حراسة المصالح الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية ومعاظمة مردود جهودها ما أمكن.
- كدولة مقتدرة، يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تستخدم أربع أقنية نفوذٍ وإكراه: القوة السياسية والديبلوماسية، والقوة المالية، والقوة القانونية، والقوة العسكرية.
- تمنح الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات الاقتصادية –مباشرة أو عن طريق البنك الدولي أو صندوق النقد العالمي- لتكون السيطرة الاقتصادية رديف السيطرة السياسية.
- عندما تتدخَّل أمريكة في سياسة بلد ما فإنها لا تنبني على رأي المواطنين المهاجرين إلى أمريكة ممن لهم أصل من ذاك البلد، وإنما حسب ما سبق بيانه من مصالح ووفق أولوية جرّ الدولة لتدور في الفلك الكبير لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
- غير أن الإدارة عندما تريد أن تتدخَّل تحاول أن تشفعه بتأييد من مغتربي تلك البلد (ونخب من الداخل) لأن ذلك يمنحها غطاء أدبياً ويسهِّل مهمتها الديبلوماسية.
- الثورة العربية أجبرت –أوعلى الأقل شجَّعت- الإدارة الأمريكية الحالية على التفكير بتغيير تكتيكاتها باتجاه خيار الواقعيين.
الموقف من سورية
- باعتبار زخم الثورة العربية والتغيير الإقليمي، أمِلت الإدارة الأمريكية في تغيير سلوك النظام السوري. الإدارة الأمريكية (وإسرائيل) تكره النظام السوري لمواقفه الخارجية الخشنة واستغلاله ورقة المقاومة. غير إن الإدارة الأمريكية قبِلت بسيطرة النظام السوري بسبب ضمانه العملي سلامة أمن إسرائيل وبسبب دورانه الفعلي في فلك سياسة الولايات المتحدة الأمريكية (مثلاُ: مواقفه في لبنان في تأديب المقاومة الفلسطينية؛ ومشاركته في حرب الخليج الأولى).
- وكما هو معروف، ساندت المواقفُ الدولية النظام السوري، غير أن الثورة استطاعت أن توصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، فاضطرت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبة إلى التعامل مع القَدَر السياسي الجديد –بحذر و تردّد- لأن مصالحها مع النظام القديم أصبحت عسيرة التحقق بعد الفقدان الكبير لشرعية النظم.
- الهمُّ الحالي للولايات المتحدة الأمريكية تجاه سورية يتلخَّص في التالي:
1. الربط الكامل لسورية بفلك المنظومة العالمية الرأسمالية وإغراقها بالديون الدولية.
2. تمكين احتكار النخب المسيّسة والنفعية للسلطة في سورية.
3. إضعاف تماسك سورية والدفع نحو توازن طائفي قلق يمكن العبث به.
4. التأثير في تحالفات سورية في السياسية الخارجية.
5. حماية مصالح الولايات المتحدة في العراق.
6. إعادة تمكين أنصار أمريكة في لبنان (ساسة الموارنة والسنّة) وإضعاف حزب الله.
7. قطع الطريق على النفوذ الإيراني (لتتمكّن من الضغط على إيران للتعاون معها ومع إسرائيل ضد المصالح العربية).
- الإرادة الأمريكية ليست قدراً محتّما، ولائحة الأمنيات الأمريكية هذه يصعب تحقّقها إذا نجحت الثورة، إلا رقم 6 و 7؛ وذلك لأن ضمير الثورة مفعمٌ بالوطنية؛ والثورة تُبدي درجةً عاليةً من الوعي السياسي. أما إضعاف حزب الله فسيتسبّب بتحجيم دوره في لبنان ولا يؤثر كثيراً في قدرته على مواجهة إسرائيل.
- ليس هناك حاجة إلى القول إن أهداف الثورة هي رفع الظلم، والانعتاق السياسي، وتحقيق العدل المجتمعي، وصيانة قيم المجتمع وأشواقه الثقافية؛ وكل هذه الأهداف تتعارض مع الأماني الأمريكية.
- ليس هناك حاجة إلى القول إن منطق السياسة لا يجري وفق منطق التقابل الكامل، فقد تتشارك المواقف بين المتخالفين على أساس المصلحة الجزئية.
الدور الإيجابي للجالية السورية
- بناء على ما سبق، ينبغي أن يكون جلياً أن أمور السياسة معقّدة وتبدو متناقضة أحياناً؛ بل هي كذلك في أكثر الأحيان، فالمقتدر يُراهن على العديد من الأفراس، يدعم الفريق وعدو الفريق بآن معاً. فلا يخفى إذاً أن السذاجة في التعامل مع الأمور السياسية أمر خطير.
- حلم الضغط على الكونغرس ليتصرَّف كما نحبّ حلم بريء ورأي تناقضه جميع الأدلة، وإن كان يدغدغ الأحلام الوطنية ويهدِّئ الشعور بالإثم.
- المسألة السياسية ليست مسألة شراء أصوات أو الانصياع للمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
- غير أنه ما دامت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتحرك بما يخصّ بلادنا –شئنا أم أبينا- من المحتّم أن يكون للسوريين في الخارج موقف وطني شريف. وضمن هذا يمكن العمل على محاولة الدفع نحو بعض المنافع العامة:
1. حثّ المحكمة الدولية على فتح الملف السوري.
2. الحثّ على المحاصرة الديبلوماسية للنظام السوري وإضعاف شرعيته الدولية.
3. الحثّ على الملاحقة المالية لكبار المسؤولين وتجميد أرصدتهم.
4. قطع الطريق على المنتفعين من السوريين الذين يحاولون تنصيب أنفسهم متكلمين باسم الثورة وطرح أنفسهم ممثلين عنها.
5. رفض المحاصرة الاقتصادية التي تضرّ بالشعب السوري.
6. رفض التدخل العسكري.
- إنّ كون الموقف الوطني للجالية في الخارج محدود التأثير لا يُنقصه شرفاً، إذ لا خلاف على أن الفاعليات الداخلية هي المحرك الأكبر الصانع للأحداث. بل إن موقفاً غير حكيم –ولو كان ظاهره وطني- هو الذي يساعد على سرقة الثورة وإجهاضها.
Tagged: الاحتواء والتوظيف, الثورة السورية, الربيع العربي, العملية السياسية
اترك تعليقًا