21/3/2011
1- ليس هناك عذرٌ في التراخي في الإنكار القلبي أو في التأقلم النفسي مع قبول الظلم.
2- مسألة التغيير تتجاوز طلب القوت والمعيشة الهانئة -وإن ليس هناك ضير من طلبها بالمعروف- وإنما هدفها الأسمى هو الكرامة والعدل ورعاية المثل الثقافية التي يحلم بها الناس.
3- معرفة الممكن لسيت قطعية، فعند التحرّك تتفتّق أسبابٌ جديدة.
4- التدرّج سنّة محكمة.
5- المبالغة والاستعراض خفّة، وتصرف عن الإعداد وتُنبّه الأعداء.
6- الحوار هو الأصل مع المخالف. أما مع الظالم القاهر المستبدّ فحواره مرواغة، ولذلك تحلّ المفاوضة محلّ المحاورة.
والمفاوضة مع الظالم لسيت خيانة بذاتها، وإنما تُحدّد قيمتَها شروطُها: فإن تسامحت بالفرعيّ لم تضرّ، وإن تنازلتْ عن كليّ فلا داعي للموافضة لأنها تؤجّل بلوغ المراد أمداً بعيداً وربما أحالته إلى ظلام النسيان.
7- الاجتماع على حدٍّ أدنى بين المتخالفين مقدّم على الإصرار على حدٍّ أعلى لا يجتمع عليه الفرقاء (وفقاً للنقطة السابقة، هذا لا ينطبق على حالة الظالم المستبدّ).
8- يجب عدم التنطع المذهبي/الحزبي في رسم صيغة الاجتماع، بحيث تسع الجميع (ولا يعني هذا الفراغ القيمي).
9- أرسخ شرعيّة سياسيّة هي المجذّرة في الداخل والمتّصلة بحضارة الأمة.
10- بعض الفوضى قد لا يكون منها مناص عند التغيير الجذريّ، ويمكن أن تُعتبر مقبولةً لفترة قصيرة كلازمةٍ للنضوج.
11- الوسائل السلميّة عند الخلاف بين أبناء الوطن أمضى وأسلم في نتائجها البعيدة.
12- ابتعاث النقباء ضروري للتواصل مع مكوّنات الأمة، ومبرره تمكين الاستماع، لا تقاسم المغنم ولا المحاصصة. والتشكيلات الصغيرة للاجتماع لا ينفع فيها إلا نقباء من أهلها، سادة شرفاء استحقوا منزلتهم ببلائهم.
13- التداول في السلطة يليق بمن عندهم رؤى جديدة، لا بمن يبغي مجرد الوصول والمشاركة.
رشاد خطاب التغيير السياسي
إذا كانت الأحوال في تقلب دائم، وإذا كانت الحاجة إلى التغيير السياسيِّ لا بدَّ وأن تنقدح، كان الرشاد في الخطاب الداعي إلى هذا من أهمِّ الأمور فهو موجه السلوك والأفعال.
ونذكِّر أولاً إلى أنَّ الرفض النفسيَّ والعقليَّ للظلم واجبٌ، إذ هو يُمثل أضعف الإيمان الذي ما دونه عذر. والتهييئ النفسيُّ العقليُّ هو من أعظم أوجه الإعداد. ولما كانت الاستكانة تتلصَّص إلى نفوس البشر عند استمرار الظلم، كانتْ حماية النفوس من المذلَّة أول شروط الإعداد. ويبرز هنا واجب العلماء وقادة المجتمع والمربُّون في الجهر بالحقِّ؛ فإن عجزوا عن ذلك في الملأ خشية البطش والتنكيل، فأضعف الإيمان السكوت مع الإنكار؛ ولا يُقبل التملُّق للظلم بحالٍ من الأحوال.
والحالة الطبيعيَّة للسياسة هي أن تكون الشورى قائمة فيها والنقباء في تحاورٍ دائمٍ مع السلطة. أما إذا انعدم التواصل وتحوَّل أمر السياسة إلى استبداد كامل، فيُطلب من عامَّة الناس بمختلف فرقهم تحرير مواطن الظلم وإفراغ الجهد في تصميم البدائل. فإن سنحت فرصة التغيير كان الناس على بيِّنة من كيفيَّة إرساء العدل وإصلاح الأمر الذي أفسده الظلم، لا مجرَّد تغيير المكروه.
إن دافع المناجزة أو المطالبة ينبغي أن لا يُركِّز على نتيجة الإهمال أو الإفساد وإنما على ما دعى إليه. فمسائل ضيق المعاش أو التهميش السياسي ليست إلا أعراضاً لأمراضٍ. ولذلك ينبغي أن تُؤطَّر مثل هذه الأعراض بإطار الكرامة والعدل، وأن يُنظر إلى إصلاحها إصلاحاً مستديماً، في مراجعة الخطط وتنشيط مؤسسات الشورى واستقامتها على سِكَّتها. وإلا فخطاب اجتلاب المكاسب القريبة ينتج عنه شحُّ النفوس. وثمار الإصلاح تستلزم وقتاً للنضج، ولذا كان الوعد بالرغد السريع يصرف البصر عن إتقان سيرورة الإصلاح. وكلُّ ذلك يؤكد أهميَّة الإصلاح الشامل، وعدم الرضى بالترقيع الجاهل الذي يعالج ظاهر الأمور ولا يدرك عواقبها، وعدم الرضى بالترقيع المناور الذي يحاول إلهاء المعارض ببعض المكاسب القريبة من غير معالجة ما أوصل إليها.
ولا تنفع المطالبة بلا قيادة ذات علمٍ وبصيرةٍ، وإلا لدفعتْ أهواء بعض المتظلِّمين إلى مطالبةٍ استئثاريَّةٍ تستجلب حقاً أكبر مما يستحقُّونه وربما حرمتْ آخرين من حقوقهم. ولا بدَّ للمطالب والمناجز من رؤيةٍ تسع جميع مكونات الشعب وتبغي العدل فيهم كلُّهم.
وقلَّما يجتمع المطالبون بإزاحة الظلم –وبخاصة الذي استمرَّ طويلاً- على مطلبٍ واحدٍ. ولذلك فإنَّ الاجتماع على حدٍّ أدنى من المطالب مقدمٌ على الإصرار على حدٍّ أعلى لا يجتمع عليه الفرقاء. وغاية البصر ينبغي أن تستحضر خيال صيغة الاجتماع لما بعد إزاحة الظلم، بحيث يُمكن الالتقاء بين فرق المجتمع ولا تطول فترة الفوضى التي تترافق طبيعةً مع فترات التغيير.
وبرغم مرارة الظلم الذي طال، فإن هدف المناجزة لا يصلح أن يكون الانتقام، وإنما إرجاع الأمور إلى نصابها؛ فنيَّة الانتقام تُفسد خطط المناجزة وتفتح الباب لظلمٍ جديدٍ. وكفى بالإزالة شفاءً لغيظ الصدور.
والنِّظام الظالم يحيط نفسه بسياجاتٍ من القوَّات، وبخاصةٍ بعد تمكُّنه واستيلائه على كثيرٍ من ثروات الأمَّة. ولا يُتصوَّر عند ذلك أن تكون عدَّة سلاح المظلومين مكافئةٌ لسلاح النِّظام الظالم. وأكبر عدَّةٍ عندها تكون في رفض رفع السِّلاح من قِبل المظلومين وتفريغ أحقيَّة الحُكم الظالم إن هاج فقتل وقمع. ولهذا حكمةٌ تفوق ما ذكرت من أسباب توازن القوى؛ وذلك لأنَّ السلطان الحاكم يستخدم نفراً من أبناء القوم لتثبيت حُكمه، فإذا حمل المظلومون السلاح فإنَّهم سوف يرفعونها في وجه ذويهم ومن هم من قومهم أو من قبائل أخرى، فتُستثار حميَّات التعاطف والانتماء، فيقع التفرُّق بين فئات الشعب وفرق القوم، فيضرب الظالمُ الناس بعضهم ببعض. أما إذا كان الحيف حيف العدو المتميِّز، فاستعمال السلاح والقوَّة واردٌ عندها.
وإذا كان هناك وضوحٌ في البدائل ومواضع الخلل وكيفيَّة الإصلاح بعد طول الفساد، يجري تقدير توافر القدرة على المناجزة. فإن استُكملتْ قُوى المناجزة واحتياجاتها وتنظيماتها وقيادتها، جرى التفكير بساعة التغيير. والمطلوب مشاركة أهل الخبرة لتقدير كفاءة الإعداد ومدى قوَّة الظالم وعدم الاستناد إلى مجرَّد صدق نيَّة المطالبين بالتغيير وقوَّة عزيمتهم. ولا يُمكن تصوُّر الكمال في الإعداد، فمعرفة الممكن ليس إلا اجتهادٌ؛ كما أنَّه عند التحرُّك تتفتَّق قوىً وأسبابٌ لم تكن بالحسبان ولم تخطر على البال. ومناسبة العدَّة عند مواجهة الطاغوت المتمكِّن لها نسبها الخاصَّة، وذلك لأنَّ الطواغيت لا تتوانى عن القتل قتل الإفناء.
ومفاوضة العدو والظالم لسيت خيانة بذاتها، وإنما تُحدِّد قيمتها شروطُها: فإن تسامحتْ بالصغائر أو سَمحتْ بحفظ ماء وجه المقارع لم تضرَّ، وإن تنازلتْ عن مواضع ارتكاز مصالح الأمَّة فلا داعي للموافضة لأنها تؤجِّل بلوغ المراد أمداً بعيداً وربما أحالته إلى ظلام النسيان.
د. مازن موفق هاشم
Tagged: التغيير السياسي
اترك تعليقًا