وفاءً لثورة الكرامة ينساب قطْرُ القلم ليتشرّف في محاولة إضاءة أحوالها في يوم ذكراها، ثم يستحي ويكاد ينضب دمعُه حين يدرك أنه ينعم بأمانٍ يفتقده فقداً شديداً كثيرٌ من الأطفال والأمهات والشيوخ والرجال والمستضعفين.
Tag Archives: الطائفية
ميلاد أمة -5: التصميم الطائفي لدول بلاد الشام
ابتُليت بلاد الشام بأسوأ مزيج من الكيد الاستعماري. وكما هو معروف، تركّز الطريقة الإنكليزية على وضع ترتيبة هيكلية ورسم حدود تتفجّر المشاكل منها فيما بعدُ. هذا ما فعلته في إفريقية، وهذا ما فعلته في تقسيم أرض البشتون بين باكستان وأفغانستان، وهذا ما شاركت بفعله في الشام من حدود مصطنعة وفي تنكّبها عمّا وُعد به الكرد. أما الطريقة الفرنسية فتركّز على الخلخلة الثقافية واللغوية، وهذا ما فعلته في الجزائر وفي بلاد غرب إفريقية. وابتُلِــيت سورية بكلا الكيدين.
ميلاد أمة-6: خاتمة
وبعد، فقد كتبتُ في موضوع يصعب المرء أن ينجو من اللوم فيما فعل. وليس هذا الذي يهمّني بقدر ما يهمنى عدم إساءة الفهم. ولقد حاولت جهداً أن تكون العبارات دقيقة، ولكن أنّى للعبارة أن لا تخون قصد الكاتب، وأنّى لها أن تخاطب بآن حساسيّات كل أطياف القرّاء. ويعرف الكُتّاب أنّ من يريد أن لا يوجّه إليه أي انتقاد –ولو كان غير عادلٍ وفي غير مكانه- عليه أن يكفّ عن الكتابة ولا يتكلّم في موضوع ذي شأن.
ميلاد أمة-4: ج) حالة العلويين [5] الطائفية
ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي
5- كلمة في الاصطفاف الطائفي:
فاجأت الثورةُ الباسلة التي رصّت لحمة الأكثرية نظامَ الطغيان الذي تأسّس فكرياً وفق مفاهيم ماركسية منذ أيام البعث في 1963 ووفق آليات مؤسّــسية تبنّت نمط ألمانية الشرقية. وكان أقدر الفئات على استغلال هذا المنزع الفكري والآليات التي رسّخها هي الفرقة التي تعاني أشدّ درجات الغربة والبُعد عن رابطة المجتمع والتي تتطلّع للاقتصاص منه، ألا وهي الطائفة العلوية النُصيريّة.
ميلاد أمة-4: من مِلل إلى أقليات: ج) حالة العلويين [4] -التدين
ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي
4- الخلفيّة النُصيريّة والتديّن:
تعتبر كتب التراث في الفقه الإسلامي والعقيدة وغيرهما المذهبَ النصيري مذهب غلاةٍ باطنية، ولا تعتبر مجموعة أتباعه فرقةً مسلمة. وسبب ذلك معروف، وأبسط ما يمكن أن يعبّر عنه هو عدم تسليم المذهب النصيريّ بأركان الإسلام أو أركان الإيمان المعروفة، برغم أنه تجد عند بعضهم بعض مظاهر الإسلام بحُكم طول المجاورة. وحتى كتب التراث الشيعي لا تعتبر النصيريين مسلمين. إقرأ المزيد
ميلاد أمة-4: ج) حالة العلويين [3] الاستقطاب الخارجي
ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي
3- الاستقطاب الخارجي:
بدأ الاستقطاب الدولي للأقليات في زمن العثمانيين حين اعتبرت فرنسة وانكلترة وروسية نفسها مسؤولة عن حماية رعايا الديانات المسيحية في الكيان العثماني المسلم. وفي البداية، لم يرُق هذا التدخّل لبعض الطوائف المسيحية، غير أنه أبدت الطائفة المارونية ترحيباً ملحوظاً. وبغض النظر عن الموقف الشعبي للأقليات المسيحية، كانت المواقف الفكرية للنخب الوطنية -وفيها وجود مسيحي غالب- هي التي وضعت الأسس الفكرية للاستقطاب الاستعماري الذي نعيشه إلى اليوم. وبدون إدراك هذا لا يمكننا تفسير الموقف العام البارد أو المتشكّك أو المعادي للثورات العربية من قِبل أغلب الفرق العَلْمانية، سواءاً اليسارية منها أم الليبرالية أم القومية.
ميلاد أمة-4: من ملل إلى أقليات: ج) حالة العلويين [2] مستوى التثقف
ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي
2- مستوى التثقّف وامتلاك المهارات:
لقد أصبح أفرادٌ من الطائفة العلوية أباطرةً يملكون الأموال الطائلة. غير أنّ تطبيع وضع الطائفة لا يمكن أن يأتي عن هذا الطريق وحده، بل هذا يشوّه عملية التطبيع. ولا يرفع عقيرة قومٍ تحصيلُ المال الكثير عن طريق الولاء السياسي والابتزاز وسرقة المال العام، وإن كانت تفتح حيازة المال أبواباً كثيرة لأفرادٍ منهم وتُيسّر سُــبل الصعود الاجتماعي. إنّ العامل الحاسم في صعود قومٍ وتطبيع وضعهم وخروجهم من الهامشية هو دخولهم الطبقة وسطى. وإذ لا شكّ في أنّ وجود أفرادٍ بارزين ذوي تحصيل عالٍ ينعكس إيجاباً على مجموعة الأقليّة، غير أنه لا بدّ لهذا الصعود أن يُنظر إليه أنه صعودٌ مشروعٌ لم يخالف أعراف المجتمع بل التزم بها، ولا بدّ لتحقّق الارتفاع أن يتمّ من خلال قنوات يُصادق عليها المجتمع ويقدّرها.
ميلاد أمة-4: من مِلل إلى أقليات : ج) حالة العلويين [1] الهامشية
ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي
1- الهامشية و المظلومية:
كثيراً ما تشعر الأقلّيات أنها مظلومة على نحوٍ أو آخر، أو أنها مهمّشة على الأقل. شعور التهميش قد يدفع بالأفراد إلى العمل الدؤوب ليجبُروا هامشيّتهم وليرتقوا بمنزلتهم في عدة صُعُد: معاشية وعلمية واجتماعية واقتصادية وربما سياسية. ويمكن لهذا النمط أن يتحقّق للمجموعات التي عندها ذخيرة ثقافية وافرة. وخير مثالٍ على هذا هو حالة اليهود. فاليهود عاشوا دهوراً يلفّهم شعور الظلم والاضطهاد، وكانت عيشتهم عيشة انعزالٍ في غالب الأحيان، اختاروها لأنفسهم ليحموا دينهم القوميّ. وبعدما سمحت الظروف لخروج اليهود من الأحياء المنغلقة (الغيتو) التي كانوا يعيشون فيها، استثمروا مهاراتهم اليهودية الخاصة، من التوفير الشحيح واقتناء المستعمل من الأغراض إلى المراباة وإلى التحصيل العلمي… ولكل ذلك أساساته في ثقافتهم الخاصة. حالة الأرمن حالة أخرى يمكن الاستشهاد بها.
ميلاد أمة-4: من مِلل إلى أقليات: ج) حالة العلويين النصيرية – مقدمة
ج) حالة العلويين النُصيريّة: هامشية تاريخية وتبنّي دولي
نتابع حديثنا عن المجموعة الثالثة التي ساهمت في أقلَنة المشهد السياسي الاجتماعي السوري، ألا وهي مجموعة العلويين. وبرغم أنّ الأدب يقتضي أن تُنادى المجموعة بما تختاره لنفسها من اسم، ثمة ضرورة علمية لاستعمال مصطلح (العلويون النُصَيريّة)، وذلك لتفريق حالهم عن حال العلويين التُرك، ولكي لا يختلط الأمر على القرّاء العرب وخاصة قرّاء المغرب العربي. ومع ذلك، سيكون استعمال هذا المصطلح متناوباً مع استعمال لفظة (العلويون) لوحدها. ولا يفوتني أن أشكر الأخوة الأربعة الذين راجعوا هذا الموضوع الحسّاس، وأشير إلى أنّ اثنان منهم من المنطقة الساحلية.
الربيعُ الشاميّ و التشيّعُ و الفرصُ التاريخيّة
في غمرة التلاطم السياسي وفرز المواقف التي قدحتها ثورة الشام، تستعر اليوم الاتهامات المذهبية، وأخصّ منها بالذكر الاستقطاب السني الشيعي. وليس هدف هذا المقال المختصر المساهمة في تأجيج الخلاف في هذا الموضوع وإنما زيادة تبيان جوانبه، قادني إليه التفكّر في مسألة أدلجة المبادئ الدينية وفي أثر مسيرة الثورة الشامية على تمحيص الدعاوى الشيعية بالخصوص، فللساسية طريقتها الخاصة في امتحان الإديولوجيات. والأهم من ذلك أن معالجة هذا الموضوع توضح أننا نواجه فرصاً تاريخية قد فات بعضها وما زال بعضها الآخر رهن الاختيار.
للتشيع ثلاثة دعاوى كبرى في الاستدلال على المذهب: النصوص الدينية، والمظلومية التاريخية، والثورية السياسية. جاذبية هذه الدعائم الثلاث تراجعت أمام عبق الربيع العربي، واهتزت وتضعضعت بعد الربيع الشامي. وفيما يلي مناقشة مختصرة لهذه الدعائم وكيف تأزم حالها بسبب ما أضاءته ثورة الشام وما وضعته في كفّة الميزان.