عن ثورة لم يسمع بها كثيرون

 

لم يسمع بها كثير من الناس رغم أنها انتصرت!  ولقد دعاني إلى التذكير بها رحيلُ د. طه جابر العلواني البارحة ورحيل د. حسن الترابي اليوم، ومن قبلهما رحيل د. عبد الوهاب المسيري و د. منى أبو الفضل.  هؤلاء وأمثالهم كانوا في مقدّمة حركة فكرية ثنائية الطرح همّها:

  1. تطوير المفاهيم التي تشكّل أسس المنظومة الإسلامية الخالدة والمتجددة في طبيعتها.
  2. تقديم بدائل عن النموذج العَلْماني السائد الذي نرى تطبيقاته العملية في عالمنا اليوم والذي يرتكز في الرؤية الأوربية.

فلا يمكن تصوّر نهضة للمسلمين بلا فهمٍ متجدّد لدينهم يخرجهم من الزوايا الميّتة، سواء أكانت زوايا التقليد والحرفية أو زوايا التماهي مع فلسفة الآخر.  وسوف أبدأ بالشق الثاني.

بديل الرؤية العَلْمانية

الحضارة الغالبة اليوم تستند إلى الرؤية الفلسفية الأوربية منذ عصر التنوير.  وبرغم التنوع الداخلي لنتاج هذه الفلسفة، فإن ثالوثها العَلْماني يتجلّى في (1) الطرق النفعية الأنانية في الإدارة؛ (2) والرؤية المادية المغرقة للحياة؛ (3) والنمط الأخلاقي اللِبرالي الغارق في النسبيّة وتمجيد اللذّات.  وإذا أردت أن تتحرّر، فلا بدّ أن تتحرّر أولاً في رؤيتك.  فالمرء عبدٌ لما يعتبره مسلّمات.

هو عبدٌ بمعنى الحبّ والانقياد.  أفلا ترى أنّ الناس تقع في غرام الاستهلاك برغم أنه يُفلسهم ويدمّر مستقبلهم؟  ألا يعشق بعض الناس الوجباتِ السريعة المسرطِنة لمجرّد أنّ دعايةً أمريكيةً زيّنت استهلاكها.  أفلا يتفاخر الشاب بقميصٍ عليه (ماركة) مشهورة دفع ثمنه أضعافاً لمجرّد الاسم، مع أن المادة الأولية لهذا القميص أتت من بلاده، والذين حاكوه عمّالٌ وعاملاتٌ وأولادٌ يتقاضون أدنى الأجور، والمعمل الذي أنتجه هو في بلدة من بلاد (العالم الثالث) يستنزف الموارد الطبيعية ويعطي أجوراً باخسة، والاستثمار الأجنبي هذا لا يوطّن التكنلوجيا ويطير بالأرباح عائداً بها إلى البلد الرأسمالي الأم.

ربما يدرك الناس هذا، ولكنهم يفهمونه فقط من الزاوية السياسية (الاستعمار الحديث) أو من الزاوية الاقتصادية (الشركات الضخمة).  ولكن هاتين الزاويتين تستندان إلى رؤية فكرية فلسفية.  وإذا كانت ثورتنا هي (ثورة الحرية والكرامة)، كان لا بدّ من التحرر على مستوى الجذر والمنطلقات… على المستوى الفكري أولاً.  يعني في البُعد السياسي، المطلوب هو تفعيل منظومةٍ سياسيةٍ متّسقة مع الرؤية الإسلامية تتوجّه نحو العدل لا مجرّد عدّ الأصوات، وفي البُعد الاقتصادي، المطلوب هو تطوير منظومة تفسح في آنٍ لفاعليات السوق أن تتحرّك ولا تفسح للمنظومة الربوية الاحتكارية من السيطرة.

وقد يقال إن الوصول إلى ذلك يحتاج إلى التدرّج.  هذه مسألة أخرى.  المهم أولاً معرفة أين تريد أن تصل كيلا تضلّ بك الطريق.

التجديد

الشق الثاني هو التجديد الإسلامي، فأولاً وآخراً هي رؤية دينية تستلهم النص القرآني و تهتدي بالسنة المشرّفة.  وحيث أراد الله سبحانه وتعالى ختم الرسالة، اقتضى هذا تنزيل كتابٍ معجزٍ وحفظه، وأن تمتلك لغته القدرة على التوليد كي يصلح لكافة الأزمان والأمكنة.  والنصوص لا تتكلم بنفسها، بل لا بدّ من عقول تجتهد في فهم مراميها وتنزيل مرادها على الواقع المتغيّر للبشر.

نعم، عندنا تراث زاخرٌ، ويمثل هذا التراث جهد الأمة في ذاك الحين واجتهادها في مواجهة التحديات الخاصة التي واجهاتها.  وصحيح أنه لا يصح القفز على التراث وتجاهله، غير أننا بحاجة إلى الاجتهاد في الوقائع التي نزلت بنا في هذا العصر.  أي أنه ينبغي لكل زمان أن يهمّ مجتهدوه في إنتاج تراث زمانهم، فالنتاج البشري محدودٌ بزمانه ضرورةً.  هذه هي الطبيعة التي فطر الله عليها الحياة البشرية.  وقد يتشابه الوضع الحالي مع الوضع السابق، لكنه تشابه عام فحسب.  فمثلاً، يمكن أن نشبّه الخطاب العَلْماني اليوم بالخطاب الدهري القديم.  غير أن هذا وصفاً للظاهر يمكن أن يصحّ في عمومه لا في تفصيلاته.  والردود التاريخية لا تكفي في هذه الحالة.  وهذا ليس بخساً للجهود السابقة، ولكن إقراراً بطبيعة تطور الفكر البشري وواقع الحياة.

ولا يخفى أن المقصود في التجديد ليس هو ساحة الشعائر التي الأصل فيها الاتباع، ولا الأخلاق التي هي ثابتة ومشتركة بين جميع الرسالات وإنما في سوى ذلك، وهو فضاء واسع جداً يغطي مساحات الاجتماع والسياسية والاقتصاد.  وفي هذا المقام، كان الشيخ طه جابر العلواني يذكرنا بأن المتروك والمرفوض من التراث أكثر من مقبوله.  المرفوض منه هو ما زلّ فيه أجدادنا، وهذا أمرٌ معروف، فكم من عالم جليلٍ زلّ في مسألة من المسائل وأتى برأي لا يستقيم.  أما المتروك من التراث فهو حجمٌ ضخمٌ ليس فيه إشكال أساسي وإنما أنّ الحيثيات التي قيل فيها انتفتْ ولم تعُد موجودة.  ويكثر هذا في عالم السياسية أولاً ثم الاقتصاد ثم الاجتماع، وهي المجالات التي فيها نسبية وقلّت فيها النصوص بالترتيب المذكور.

مجاهدو هذا التيار

المجاهدون الفكريون في هذا التيار هم من مشربين.  مشرب الدراسات الشرعية ومشرب دراسات العلوم الاجتماعية والمفكرون والفلاسفة.  الفريق الثاني يكاد لا يسمع بهم أحدٌ لأن نتاجهم تخصّصي في طبيعته.  هم يخوضون المعارك في ساحات الوغى الفكري، في الجامعات والكتب والمجلات المحكّمة والندوات الفكرية.  ويصعب تقدير قيمة هذه الجهود إذا لم نُعد التفكير في أصل مشاكلنا.  فأذهان الناس عادة تنصرف إلى الأمور التي يعتركون معها في حياتهم اليومية، وينسون أن هذه الأمور التطبيقية البحتة ليست إلا انعكاساً لـ (نظريات) فكرية مجرّدة.  والفرق بين دين و دين هو العقيدة، والعقيدة هي فكر نظريّ مجرّد.  ولا يمكن معالجة العَرَض من غير إصلاح مصدر الخلل، ومصدره طبيعة التصوّر.  ودعني أضرب أمثلة على ذلك.

ذكرنا أننا نشكو من تسلّط الشركات الرأسمالية الكبرى.  ولا يقف أثرها على قدرتها طرد المنافس الصغير وخنق الفرص في بلدان الجنوب أو ما يسمى بالعالم الثالث، وإنما وصل أثرها إلى حياتنا اليومية وداخل غرف جلوسنا.  ألا ترى كيف سرقت شركات الدعاية أولادنا من بين أيدينا وأصبحت الدعايات والأفلام –بكل ما فيها من رسائل أخلاقية– هي الكاهن الذي يصوغ كيف يفكّر الأولاد ويشعرون.  النقطة هنا أن تسلّط هذه الشركات مبني على فكرة فلسفية حول دور رأس المال في الحياة.  ومثلاً، الفيلسوف لوك يرفض أي تدخّل في حركة المال إلا تدخلاً لحماية حريّة تحرّكه.  مرة أخرى، الأثر الواقعي يستند إلى رؤية نظرية متقمَّصة في نموذج تطبيقي يُدعى اليوم السوق الحرّة، وهي في حقيقتها رأسمالية مستأسدة.  أي أننا نحتاج إلى رؤية إسلامية اقتصادية متميّزة تعكس تفرّد النموذج الإسلامي.  وقد تعتمد هذه الرؤية سوقاً حرة ولكن لذلك ضوابط وترابط مع مؤسسات المجتمع الأخرى بشكل مختلف.

وعلى المستوى السياسي تطرح الحداثة نفسها من خلال الدِمقراطية اللِبرالية. وإذ أن الطرق الدِمقراطية من تشاورٍ وانتخابٍ عرفته البشرية منذ الأزمان الساحقة، فإن العنصر اللِبرالي فيها هو الذي يميّز التجربة الأوربية. ولا عجب أن تترافق الدِمقراطية اللِبرالية المهوسة بحقوق الأفراد (هم في حقيقة واقعهم عبيد للنظام الاقتصادي) مع حروب عالمية طاحنة قامت بها واستعمار بغيض لا تستحي منه إلى اليوم، إضافة إلى معاداة أو خذلان ثورات التحرّر العربي التي نعيش فصولها اليوم.

الفريق الثاني من مجاهدي هذا التيار هم نفرٌ مخصوصٌ قليل العدد من علماء العلوم الشرعية.  وهؤلاء لهم معرفة تامّة وتحصيل متين في علومهم، غير أنهم يدركون أن مسألة التجديد لا تقتصر على انتقاء فتوى مناسبة موسِّعة من التراث.  المسألة أعقد من ذلك وأصعب.  لا بدّ من الاستنجاد بالقرآن مصدر الهداية والتدبّر في السنة التي هي بيان وتفسير متسقٌ ضرورةً مع معاني القرآن، وتأطير الأحكام بمقاصدها، وإعادة تنزيل النصوص على الواقع الجديد الذي يحفل بحيثياتٍ تختلف اختلافاً نوعياً عن الحيثيات التي مرّت فيها التجارب التاريخية للمسلمين.

مناهضو هذا التيار     

العجيب في الأمر أن مناهضي هذا التيار كُثر كُثر.

المشايخ التقليديون يفزعون من هذا التيار، إذ يرون أنه يدعو إلى ما لم يعتادوا عليه من مسلك الآباء.  لسان حالهم يقول خطابكم لا يجعل الوعظ والفقه والتصوّف محور الاهتمام، وخطابكم يرفض الطقوس التي نمارسها ويحوّل المسجد إلى فضاء ثورة وتغيير، وخطابكم يطلُق عزائم الشباب ويُعطي مساحة لا نرتاح لها للنساء.

العلماء الغارقون في التقليد المذهبي واللامذهبي الذين حبسوا أنفسهم في سجن أقوال الأولين يجدون في الطرح الجديد جرأة مزلزلة.  كيف تتجرؤوا القول في أمور نحبّ أن ننقل الإجماع فيها من أجل عدم تشويش (العامة) مع أننا نعرف أنه لا إجماع فيها وأنه جرى الخلاف فيها بين جهابذة المتقدّمين.  كيف تتجرؤون تقليب الأمر في مسألة المهدي المنتظر، والرجم، والردّة؟  وكيف تجرأتم على القول بأن مقاصد الشريعة ينبغي أن تتجاوز دائرة أصول الفقه؟

والحركييون يغتاظون من هذا التيار لأنه يتكلّم بالمجردات التي يحسبون أن ليس لها علاقة بالواقع، ولأنه يدعو إلى تدبّر أعمق للواقع وتخفيف من حدّة خطاب الحشد، ولأنه يرفض التمحور الإديولوجي الحزبي.

هواة التلفيق الذين يلوّحون بقبعات التجديد الحداثي يعادون هذا التيار أيضاً ويعتبرونه أصولياً.  ولسان حالهم يغضب من تيارنا الفكري لأنه يرفض إسقاط السنة وتهميشها، ولأنه يرفض القول بتاريخية النصوص الدينية، ولأن التيار يصرّ على المفهوم الواسع لختم الرسالة وهيمنة الخطاب القرآني.

والمؤسسة الغربية تعادي هذا التيار وتدرك أنه هو الذي يؤسس لبديلٍ حضاري، فيعتبرون هذا التيار عدواً لدوداً رغم اهتمامه بالمشترك الإنساني واحتوائه على رؤية تسع البشر على اختلاف ألوانهم وبلدانهم ودياناتهم، سعة كرامةٍ وتعارفٍ.

انتصرت!

أعظم أسرار هذه الثورة الفكرية أنها انتصرت.  فلم يعد يهيبها الطروح العَلْمانية بعدما درس أصحاب هذا التيار في جامعات الغرب أو قرأوا أدبياتها وردّوا عليها وطرحوا البدائل المتزنة.

يشكو الناس عادة من صعوبة نتاج هذا التيار وعدم يُسر لغته وامتلائه بالمصطلحات.  ولكن لماذا لا نعترض على هذا في حقول الكيمياء والفيزياء والالكترون ونرفضه في مادة نهضة الأمة؟  وعلى كل حال، لا مراء أننا بحاجة إلى نسخة وسيطة من هذا الفكر تستطيع مخاطبة شريحة أوسع من الناس.

كما نحن بحاجة إلى الانتقال من الطرح المجرّد إلى نماذج تطبيقية.  وكانت هناك محاولات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أصاب بعضها التعجّل، وهذا موضوع تحتاج معالجته مقالاً مستقلاً.

((وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)).

 

مازن موفق هاشم

05-03-2016

 

 

 

Tagged: ,

5 thoughts on “عن ثورة لم يسمع بها كثيرون

  1. غير معروف 2016/03/06 عند 5:30 ص Reply

    لكم الشكر الجزيل سيد مازن
    كفيت ووفيت واجبت بالرأي السديد
    جزاك الله عنا خير الجزاء

  2. مجاهد ديرانية 2016/03/06 عند 6:04 ص Reply

    جزاك الله خيراً أخي العزيز مازن. مقالة رائعة عن “ثورة” رائعة عشتُ فصولها على مدى ثلاثة عقود، أنجزَت الكثير وما زال يُنتظَر منها الكثير.

    لا بد لكل تغيير من صبر لأنه سيُواجَه بمقاومة عنيفة حتماً، ولكنّ الصحيح يصحّ أخيراً حتماً، لأن التجديد سِمَةٌ من أعظم سمات الدين الخالد: يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل قرن مَن يجدد لها دينها.

    شوّقتني لقراءة المقالة المستقلة الموعودة. بالانتظار.

  3. SA 2016/03/06 عند 6:25 ص Reply

    أخي الدكتور مازن المحترم:
    من منظار الحياة العملية التي عشتها شخصيا في الغرب و من منطلق الخبرة المهنية في إدارة الحكومة المحلية و المركزية إضافة الى العمل الخاص فإنني لا أستطيع تفهم أصرارك و إصرار العديد من المفكرين الإسلاميين على وضع “العلمانية” كنقيض للإسلام؟
    طبعا المصطلحات هنا مهمة: فالعلمانية للكثير في الشرق الأوسط هي المفهوم الغربي للأخلاق في أبعاده الإجتماعية و العدائي للدين الإسلامي و الذي يبرر إدامة الإستبداد تحت شعار محاربة الإرهاب في أبعاده السياسية. من هذا المنطلق فإنها نقيض للإسلام. ولكن في هذا الخضم, يبتعد المفهوم عن صفات اخرى للعلمانية الغربية في غاية الأهمية مثل حرية الرأي و حرية التعبير والعمل المؤسساتي و شفافية المؤسسات و التبادل السلمي للسلطة و عدالة نسبية تضمن تساوي الحقوق ضمن قانون ليس لاهوتي بل واقعي و عملي؟ (العدالة المطلقة تحتاج لمقدرة مطلقة)
    لفت نظري في مقالك الجملة الأتية:
    المطلوب هو تفعيل منظومةٍ سياسيةٍ متّسقة مع الرؤية الإسلامية تتوجّه نحو العدل لا مجرّد عدّ الأصوات، وفي البُعد الاقتصادي، المطلوب هو تطوير منظومة تفسح في آنٍ لفاعليات السوق أن تتحرّك ولا تفسح للمنظومة الربوية الاحتكارية من السيطرة.
    ما أستغربه هو كلمة “تفعيل”؟ “تفعيل منظومة سياسية متسقة مع الرؤية الإسلامية”؟ فهمت كلمتك كالأتي: هناك تجربة عملية إسلامية ناجحة إستطاعت أن تصنع نموزج حكم سياسي ذو رؤية إسلامية من منطلق العدل و كل ما نحتاج اليه هو أن “نُفعلها”؟
    طبعا الخلفاء الراشدين هم هذه التجربة في أوائل الإسلام مع أصحاب الرسول (صلعم) ولكن هل يمكن تفعيلها في هذا الزمن؟
    المشكلة الأعمق أنه لا يوجد “رؤية إسلامية” واضحة ومتفق عليها بأغلبية واسعة حول “المنظومة السياسية المتسقة مع الرؤية الإسلامية”
    التحدي الأساسي أمامنا هو أننا “نخلط الأولويات” و نصر أن نبدأ الطريق في خواتمه.
    على الإسلام السياسي أن يثق بأن مصادر قوته هي المجتمع و ليست السياسة؟ فإن أستطعنا في أيامنا هذه أن نرى ظهور دوله أو دول إسلامية قادرة أن تصنع عدالة “منتقصة” مثل العدالة الغربية و تبادل سلمي للسلطة مثل العلمانيين الغربيين فإننا ربما نشاهد “تفعيل” هذه المنظومة من منطلق إجتماعي أخلاقي و ليس من منطلق سياسي سلطوي؟؟

  4. مازن هاشم 2016/03/07 عند 2:35 م Reply

    أخي الكريم:
    أشكر لك أولاً قراءة المقال في زمن تراكم المشاغل، والاهتمام والتعليق والاستفسار. وأقول إن شكواك ليست جديدة علي، وأطلب منك أن تسامحني من لهجة ردي فنحن في شهر الثورة الفضيل.
    نحتاج أولاً أن نحدد ما هو وجه الخلاف. وكثير من الناس تخطئ في فهم العَلْمانية، وهي كمصطلح (بفتح العين وتسكين اللام) ليست مشتقة من لفظة العلم بل من تقسيم العالم إلى مقدس ومدنس. العلمانية نتاج التاريخ الأوربي ومسيرته الحضارية. العلمانية ليست فقط نقيض الإسلام، بل هي البديل عن فكرة الدين –أي دين- وأن يكون له دور في الحياة. هناك كتابات كثيرة عن العلمانية، وكتاب (حوار مع المسيري) من أسهل الكتب في ذلك الموضوع. ولقد كتبتُ مقالات مختصرة وميسرة في ذلك، أدرج روابطها هنا:
    حياد العلمانية؟
    لا للعَلْمانية لا يعني نعم للثيوقراطية
    مفهوم العلمانية
    فيا أخي، العلمانية موقف فلسفي، وكأي موقف فلسفي لا يمكن أن نقول نأخذ منه جزء ونترك جزء، فهو كيان عضوي لا يتجزأ. أما عن النظام السياسي التي وصفته، فهو ليس صفة ملازمة للعلمانية ضرورة. فمثلاً، لا يشك أحد في أن روسيا دولة علمانية، ولكن ليس فيها شيء مما ذكرت من محاسن.
    وحتى وصفك الذي ذكرت عن النظام السياسي هو وصف كتب المدرسة ولا يتطابق مع الواقع إلا في ظاهره. وبالمناسبة، نحن في الجامعات الأمريكية ندرِّس واقع المنظومة الأمريكية ونتحسّر عما آلت إليه. وأنصحك بقراءة بعض كتب المدرسة النقدية التي تفند الواقع.
    ما قصدت بـ “تفعيل” ليس ما خطر ببالك، بل هو العكس. عندنا رؤية إسلامية في كل نواحي الحياة، ويبدو أن وقتك لم يسمح بالاطلاع عليها، وقد أصحبت مهنية علمية وليست مجرد أدبية وعظية، والمطلوب هو تحويل هذه الرؤية إلى واقع، بدل الترقيع هنا وهناك. وخلط الأولويات إنما يكون في القفز إلى التنفيذ قبل التصميم وإحكام النموذج.
    ولقد عجبت من ملاحظتك الأخيرة. أفما سمعت عن تجارب إسلامية واعدة عادتها العلمانية الحيادية الراقية صاحبة حرية الرأي والتبادل السلمي للسلطة…
    أشكرك ثانية على التفاعل،
    ودمتم،
    مازن هاشم

  5. Wassim 2016/03/08 عند 12:25 ص Reply

    جزاك الله خيراً…
    مقال وطرح رائعين.

    Sent from Wassim iPhone

    >

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: