ملخص
في حين تتوجه الأنظار إلى دمشق للحسم من خلال تصعيد المواجهات المسلحة فيها، يشير التحليل الهادئ إلى أنّ هناك شروطاً ينبغي أن تتحقّق قبل الشروع في هذا الهدف الطموح. ويمكننا القول إنّ هناك سبعة أبعاد مطلوب استيفاؤها قبل التفكير في اقتلاع النظام من دمشق. اثنان من هذه العوامل يتعلقان بحلب، حيث يُطلب من الثورة أن تبرهن أنها قادرة على إدارتها، كما يُنتظر من حلب أن تعود عافيتها الاقتصادية لتحمي كل سورية من السقوط في وهدة عميقة تسبّب تبعية اقتصادية واعتمادية طويلة الأمد. البعد الثالث هو تطوير خطاب إعلامي للثورة يتّسم بالنضوج ويستكمل عدّته ويؤسّس منافذه التي يخاطب بها عامة الشعب. وصياغة هذا الخطاب في مرحلة استشراف النهاية مهمّة دقيقة بسبب زيادة الاستقطاب في المواقف، كما تحفّها التحدّيات بسبب الانتقال من هدف واضح يبدو بسيطاً –إزالة النظام- إلى هدف مركّب يتعلّق ببناء نظام جديد. أما البعد الرابع فيتعلق بالائتلاف الوطني وضرورة زيادة ارتباطه بالثورة. وإذ لا ننكر ضرورة التحّرك في الساحة السياسية الإقليمية والدولية رغم ما تفرضه من تحدّيات، يبقى الحراك الثوري الداخلي هو الرصيد الأثمن الذي ينبغي أن يعتمد عليه الائتلاف، برغم كل الحدّية وعدم المرونة التي يبديها هذا الحراك. البعد الخامس يتعلّق بمنطقة حمص وكونها عقدة استراتيجية مهمة. فزعزعة قبضة النظام على المناطق المحيطة بحمص هدف حيويّ جداً لأنه يتعامل مباشرة مع خطّة النظام في تهييء حمص والمنطقة الساحلية لتكون منطقة نفوذ مطلق له. وخطورة هذا الأمر على سورية كدولة واضح، والسعي نحوه يترافق مع تكثيف عمليات التطهير الطائفي هناك. البعدان الأخيران يتعلّقان بأرض حوران وضواحي دمشق وريفها. درعا وامتداداتها الشمالية نحو العاصمة يُمكن أن تغيّر ميزان القوى وتربك الاستراتيجية الحالية للنظام التي عمد فيها إلى عزل ما يجري خارج العاصمة عنها. وبدل أن يتوجّه الجهد العسكري في ضواحي دمشق نحو المركز، يبدو أن الأولى ثباته في مكانه وتوجّهه جنوباً لتشكيل أقنية مقاومةٍ ممتدة بين درعا ودمشق. وإذا كانت درجة تمكّن النظام في دمشق وكثافة تسليحه ومناعة دفاعاته فيها لا تسمح بالحسم، فإنّ التصعيد في العاصمة يرجّح أن يُنهك قوى التحرير ولا يُسهم في الحسم العسكري. والأرجح أن يقود التصعيد في دمشق إلى مجرّد مزيدٍ من إضعاف للنظام، مما يؤدي بشكل غير مقصودٍ إلى دعم جهود التفاوض والالتفاف السياسي وتحجيم الإنجاز الثوري.
التحليل المفصّل
مدينة دمشق القديمة لها سبعة أبواب، ومفاتيح العاصمة اليوم مفاتيحٌ سبعةٌ كلها خارج حدود المدينة القديمة. ويرى التحليل أدناه أن إعلان “الملحمة الكبرى” لتحرير دمشق أمر مبكّر وأنه ينبغي أن تسبقه خطوات تمهّد لهذا التحرير وتقرّبه من دائرة الإمكان.
مفتاحان من مفاتيح العاصمة مكنونان في حلب. والأهمية البالغة لمدينة حلب تتحدّد في كمونها الكبير من ناحية حجمها وتطوّر مؤسساتها وثقل وزنها الاقتصادي. وبرغم ما أصابها من دمار، يمكن لحلب أن تمثّل نموذجاً لما يكون عليه الأمر عند اكتمال نجاح الثورة. الدور الأول لحلب (المحررة) هو إثبات القدرة على استئناف الحياة وتسيرها وفق أسس جديدة. وعماد ذلك إداراتٌ محلية قريبة من الناس تتفهّم حاجاتهم وتحاول تحقيقها بإبداعٍ برغم الظرف الصعب والمعوّقات الجمّة. وهذا التشكّل التدريجي لفاعليات المجتمع المدني في مستويات المجتمع الدنيا هو الذي يمكن أن يُبشّر برشادٍ إداريّ في المستويات العليا، خلاف الفرض الفوقاني ولو حاول اتباع (الكاتالوك) الديمقراطي. وإنّ رسائل الطمأنة للشعب التي تبعثها مدينةٌ عضّت على جراحها البليغ واستنفرت رصيدها الغني لا يمكن أن يوازيها ألف تصريحٍ سياسي.
ولحلب دور ثانٍ هو إعادة تحريك العجلة الاقتصادية. فلا يمكن لشعب أن يعيش على المعونات التي لا تكاد تغطي الحاجات الأساسية، ويمكن لحلب –إذا وافت الظروف- أن تكون باباً كبيراً للتعافي الاقتصادي الذي يرتكز على القدرات الذاتية. وإذا كان تحرير العاصمة سوف يترافق مع تدهورٍ فيما بقي فيها من نشاط اقتصادي، صارت أولوية التعويض من مركز اقتصادي آخر أمر مهم. ويتأكّد هذا باعتبار الهمود الاقتصادي العام الذي يُخشى أن يصل قريباً من حدّ الموت السريري الذي لا ينفع بعده إنعاش. وطبعاً، لا يمكن لحركة الاقتصاد أن تسري ولا المال أن يعود ويُستثمر من غير أمانٍ واستقرار، ولذا فالبعدان الأولان متّصلان يعزّز كل منهما الآخر.
مفتاح العاصمة الثالث هو الإعلام. فما زال إعلام الثورة في غالبه ضمن أطر الإخبار، بالإضافة إلى تحليل الواقع الثوري وتقليب أوجه النظر في المشاكل الكثيرة التي تعتلج فيها الثورة. وهذا الضرب من الإعلام –بفرض نضوجه- يخاطب خصوصاً الشرائح المهتمة بالثورة اهتماماً كاملاً. ولا بدّ من إعلامٍ يخاطب شريحة أوسع ويعالج طيف التحدّيات المستقبلية. وعلينا تذكير أنفسنا بأنّ هناك كتلة حرجة من الشعب (ذاهلة)، وهي التي يُشار إليها أحياناً بأنها الكتلة الصامتة. ولكن وصفها بالصامتة بمعنى أنها ما زالت تناصر النظام أو أنها على الحياد غير صحيح. كلّ ما في الأمر أنّ ثمن المساهمة في الثورة مساهمة واسعة تترتّب عليها تكلفاتٌ لا يهشّ إليها الإنسان اختياراً. فلا يمكن لامرئ أن يهون عنده إزهاق ما ادّخره طوال عمره ليبقى في العراء رهينة مساعدات إغاثية هي نفسها مثقلة بالتحدّيات. وعادة، هذه الدرجة من التضحية لا يتوجّه إليها البشر استهلالاً بقرارٍ مبادر، وإنما بتأقلمٍ مصابر. والموقف المشرّف والمعجز هو أنّ الشعب عامة لم يغيّر رأيه تجاه الوقوف في وجه النظام الغاشم برغم الثمن الباهظ المترتّب على ذلك، وكل الذي يرجوه هو (لطف) الأقدار.
المفتاح الرابع هو تحقيق التوازن في مسيرة الائتلاف الوطني. والائتلاف الوطني ينال نصيبه الكافي من النقد البنّاء وغير البنّاء، ولا يسع هنا إلا التذكير بصعوبة التعامل مع القوى الدولية التي لها أولوياتها الخاصة. وإنه لمن المسلّم به أنّ التعامل الواعي مع هذه القوى أمر ضروري جداً، ولا سيما لحالة الثورة السورية التي هي حدث إقليمي بامتيازٍ تتجاوز آثاره الحدود السياسية للدولة. وخلافاً للمجلس الوطني الذي وإن التزم بثوابت الثورة فإنه اكتفى بالانتظار مراهناً على تحرّك المجتمع الدولي وتدخلّه، نرى أنّ جهود الائتلاف كانت أكثر مبادرة برغم أنّ هذا الجسم هو حُكماً أقلّ تماسكاً من المجلس الوطني حيث أنه بُني على مبدأ شمول كل أطياف المعارضة بلا استثناء. ولكن نقص التماسك هذا جعل مبادراته متعارضة داخلياً وتصل إلى حدّ الشطط والاستعجال. وأكثر أوجه الإشكال في الائتلاف هو استمرار ضعف الالتحام بالحراك الثوري، بشقّيه المدني والعسكري. وبرغم تمثيل المجالس المحلية في الائتلاف إلا أنه تمثيل صوري إلى حدٍّ كبير، مع الاعتراف بأنّ الواقع القمعي الرهيب داخل سورية يجعل أي تمثيلٍ شبه مستحيل، لأنّ التمثيل أساساً غير ممكن بلا حرية الحركة والظهور. كما أنّ المسألة ليست مسألة تمثيل بقدر ما هي التزام وتواصل. وبغض النظر عن الموقف النظري من العمل المسلّح، لا ريب أنه من غير الإنجازات العسكرية لم يكن للقوى الدولية أن ترحّب بفكرة الائتلاف، فالخشية من تصدّعٍ سريع للنظام –وبعد إنجازات عسكرية مفاجئة، وبالإضافة إلى عوامل أخرى- سُمح للائتلاف أن يتألّف، وسرعان ما تلا تأسيسه الخذلان. ولا شك في أنّ التحرّك على المستوى الإقليمي والدولي الذي له أولوياته وهواجسه المعروفة بالإرهاب وأمن إسرائيل ومحاولة احتواء النهضة المستقلّة لشعوب العالم الثالث… التحرّك على هذا المستوى من جهة وإبقاء الصلة والتناغم مع الواقع الثوري من جهة أخرى معضلة المعضلات في أي حركة ثورية، ولا سيما إذا كان لها ارتباطات إقليمية كثيفة. ويتأكّد هذا بازدياد قناعة الثوّار بوجوب عدم التفريط بأي مطلب ثوري بعد تقديمهم الثمن الباهظ وثباتهم في وجه التنكيل الوحشي للنظام.
المفتاح الخامس للعاصمة مودعٌ في المنطقة المحيطة بحمص في غربها وغربها الجنوبي تحديداً. فتشكّل هذه المنطقة شرياناً تسري من خلاله احتياجات أساسية للنظام عبر البحر، ولا سيما المعدّات الحربية الثقيلة. وهي أيضاً شريان لحركة الرصيد البشري والروابط العشائرية الطائفية التي يستثمرها النظام إلى أبعد حدود باعتبار ولائها التّام المرتبط بالخوف من الاستئصال. ولا شيء يخنق قوى النظام في العاصمة مثل فقدان هذا الشريان أو تضيّقه وتعريضه للجلطات والانسدادات. والهدف هنا هو طرق الإمداد المحيطة بحمص، وليس مدينة حمص ذاتها التي نالها ما نالها من الخراب والتدمير. ولا شكّ في أنّ المواجهات هناك ستكون حادّة بسبب الدعم الحزبلاوي لقوى النظام في تلك المنطقة. غير أنه ما دام الهدف هو تعويق خطوط الإمداد فإنّ استمرار المناوشات هو بذاته تعويقٌ عملي للدعم الروسي بالسلاح والذخائر والمعدات الثقيلة. وتتأكد فاعلية هذا التضييق باعتبار أن معظم مطارات القطر مهدّدة، والتزويد عبر لبنان له صعوباته الخاصة.
كما أنّ تهديد طرق التواصل البشري مع منطقة الساحل فيه تعويق لحركة المناصرين وفيه ضغط نفسي على النظام الذي يحلم ويخطط لتشكيل كيان علويّ في هذه المنطقة، ينقل إليه ثقله ويسعى إلى توسيع حدوده ما استطاع. والضغط على العصب في منطقة حمص يساهم في إرباك اتخاذ القرار في العاصمة، ويضعف قواته فيها إن فكّر بتوجيها إلى وسط البلاد، كما أنه يهدّد بانفتاح جبهة جديدة للمواجهات في المنطقة الساحلية.
المفتاحان السادس والسابع صنوان. فمن جهة، الطوق الذي يضربه محيط دمشق في الجهة الشرقية والجنوبية يحاصر النظام إذ لا يبقي له إلا النافذة الغربية مفتوحة باتجاه لبنان. أما شمال دمشق الذي يحدّه جبل قاسيون فهو يحمي ظهر النظام وإن كان لا يمنح نافذة تواصل. ولا شكّ في أنّ هذا الطوق يُقلق النظام الذي عجز عن اختراق هذه المناطق إلى الآن برغم قصفه المستمر لها، كما أنه يصيب كبرياءه ويهزّ شرعيته. بقاء هذا الطوق مهم جداً واستمرار المناوشة مع قوات النظام في عقر داره له أثر معنوي وسيادي وعسكري، ويضطر النظام أن يبقي صفوة قواته حوله. غير أنّه باعتبار ميزان القوى محاولة الإطباق على النظام تبدو مجازفة غير معقولة. فنعلم أنّ النظام ما زال يحتفظ بنخبة قواته في دائرة صغيرة، وقواته محصنة في جبل وهضاب مطلّة. إنّ مواجهة النظام في هذه الحال يفتح الباب لأن يقرّر قيامه بمحاولة السحق الكامل مستخدماً كلّ أنواع الأسلحة وبغض النظر عن أي خطوط حمر كان يتلاعب بها. وهنا يأتي دور العمق الحوراني المفتاح السابع. إنّ اتصال الجهد العسكري حول العاصمة بالجهد العسكري لأرض حوران من درعا وباتجاه دمشق هو الذي يحمي ظهر الريف الدمشقي وحواضر المدينة التي تتحرك فيها المقاومة. وهذا السند يمرّ عبر قطعات جيشٍ كثيرة محبوسة في أماكنها بين دمشق ودرعا، وخروجها من أسارها يربك خطط النظام ويزيد في عدد المتغيّرات التي لا يتحكّم بها. كما يرجّح أنّ أعداداً من هذه القطعات سوف تنضمّ إلى الجهد العسكري، فتزيد الضغط المحيط بالعاصمة.
خاتمة
لدمشق المدينة القديمة أبواب سبعة، ويُظهر التحليل أنّ مفاتيح هذه الأبواب خارج أسوارها. وتحسن ملاحظة أنّ أربعة من هذه المفاتيح غير عسكرية و تتعلّق بحسن الإدارة والانتعاش الاقتصادي وتطوير الخطاب الإعلامي وتماسك القرار السياسي. وهذه الأبعاد الأربعة ترفد أبعاداً قتالية ثلاثة في تضييق الشريان الحمصي وسط البلاد، وتثبيت طوق المقاومة حول دمشق، واتصالها بقوى التحرير في جنوب البلاد. وباعتبار ميزان القوى العسكرية، من المسلّم به أنّ غُلب النظام على نحو تكسير العظم في مواجهة فاصلة غير ممكن. ولقد أدركت قوى المقاومة هذا واعتمدت أسلوب الإغارة كرّاً وفرّاً واستنزافاً، إلى جانب محاصرتها للقطع والمطارات التي تقبع فيها قواتٌ فاقدة للعقيدة القتالية. وصحيح أنّ قوى التحرير الوطني تستصحب هذا الأسلوب في دخولها الأخير إلى أحياء قريبة من وسط العاصمة، غير أنه إذا قدّرنا أنّ النظام متمكّن في دائرته الصغيرة، فإنّ هذا التقدّم يبدو مجازفةً مكلفةً وغير مضمونة النتائج. ويصبح الأولى إذاً أن تدعّم القوى المحيطة بالعاصمة قوّتها من خلال اتصالها بالقوى الحورانية لتتأكّد من نجاعة تضييق الخناق. أما تضييق الخناق مع العجز عن إكماله فربما يدفع إلى مسارعة القوى الدولية إلى محاولة فرض تسوياتٍ هزيلةٍ لا تناسب الإنجاز الثوري ولا تضمن التغيير الجذري المبتغى.
((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))
مازن هاشم
13/2/2013
Tagged: المقاومة المسلحة, التدخل الخارجي, التغيير السياسي, الثورة السورية, الربيع العربي
ثمة نقطة قد تعتبر تحصيل حاصل وهي ضرورة توحد المجموعات المقاتلة بالشكل الذى يرونه مناسبا او التنسيق الجدى اذا تعذر الامر
استئصال هذا الورم الأسدي الخبيث من الجسد السوري بعد أربعين سنة هو في ظاهره دمار وخسائر وأثمان باهظة، ولكنه بالنتيجة سيتعافى هذا الجسد وستستأنف جميع وظائف الجسد عملها وتعود سوريا إلى سابق عهدها حرة قوية أبية . . .
السلام عليكم :نرجو ا تضمين التحليل رؤىً ,حول الواقع الثوري الحالي والذي يجب على عامة الناس المحافظة عليه حتى يستطيع قادة الكتائب والالوية الحرة انجاز بعض مما ذكره التحليل نحو مد اذرع الاتصال وقنوات الدعم فيما بين الاماكن المقطعة بفعل الة النظام القمعية ,
أود الإشارة إلى أمران, الأول أن قيام أي نشاط إقتصادي في حلب لدعم الثورة فكرة ممتازة وأمر حيوي جداً , ولكن التحدي الكبير هو الصواريخ البعيدة المدى والطيران اللذي قد يعكر صفو أي نمو إقتصادي. الأمر الثاني متعلق بالإعلام. وبرأي الشخصي فأن مسؤلية النهوض بإعلام ناضج تقع على عاتق الإئتلاف.
أستاذ مازن أرجو فتح جسور التواصل للضرورة القصوى، أريد أن أطلعك على أمر هام جداجدا، أرجو إضافتي على حساب السكايب هذا
bilal8835
الناشط الحقوقي والسياسي والإعلامي
بلال السمان