3/1/2012
ما يلي قراءة سريعة في مواقف إسرائيل و روسية و الولايات المتحدة الأمريكية من الثورة العربية:
إسرائيل
لقد هزّ الربيع العربي حلم إسرائيل بمستقبلها، وبالنسبة لسورية، انقسم الفرقاء في إسرائيل إلى توجهين: الأول يرى أن التعامل مع الواقع أفضل من الوقوف في وجه حركة التاريخ، والثاني يرى أن الواجب هو محاولة عكس التيار.
التوجّه الذي يريد التعامل مع التغيّر الحاصل كحقيقة واقعة يغلب عليه أمل الارتياح من دعم حزب الله الذي يلعب دور المشاغب فيحرم من النوم الهنيء. وإذ يدرك أنَّ الحكم السوري الجديد سيكون ضعيفاً سياسياً لعدة سنين ومشغولاً بترميم بلدٍ أنهكه ما أنهكه، فالأولوية بالنسبة لهذا التوجه التأثير على طبيعة التركيبة السياسية الجديدة.
التوجه الثاني لا يستطيع أن يتحمّل ما يراه من تغيّر ثقافي قدحه عزم تغيير النظام وتدور أعينه من الخوف لاستفاقة الحسّ الوطني المسلم والعربي عند السوريين، ولذا فإنه يصرّ على مقاومة أي تغيير سياسي تخوفاً من أصالة القادم الجديد. التوجه الأول لا يخالف التوجه الثاني ويقلقه أيضاً عمق التغيير الثقافي الذي حدث في سورية، ولكنه كبراغماتي يدرك أيضاً أنه لا مناص من التعامل مع الواقع الجديد ومحاولة التحكّم بمستقبله عبر ضغوط الحلفاء الدوليين.
والخلاصة، إسرائيل قلقة جداً من الربيع العربي وتدرك أنها تواجه اليوم إرادة شعوب لا قرارت حكام، وإرادة الشعوب لا تُشترى (وإن كانت معرّضة لأن تُخدع في غياب نضوج الفهم السياسي). ويتفق الفريقان على وجوب استخدام فلول الأنظمة القديمة لإرباك وإفشال أي إصلاح عملي، بغض النظر عن ذهاب الوجوه القديمة التي كانت السلطة بيدها.
روسية:
المصالح الاقصادية التي يُتحدث عنها عادة ليست كبيرة الأهمية وليست ضخمة.
نعم، روسيا قلقة من فكرة الحراك الشعبي الذي قد يمتد إليها ولا سيما في فترة انتخبات وتبادل كراسي.
نعم، روسيا قلقة من النفوذ التركي، فالدول التي في مدار روسيا والتي كانت جزءأ من الاتحاد السوفيتي تتجه إلى استنقاذ ثقافتها المسلمة، ولا يمكن أن ننسى أن أكثر شعوب دول الـ (ستان) شعوب تركية.
أهم أمر بالنسبة لروسيا في كون سورية صديقة لها هي الميزة الاستراتيجية. ويقال إن الدب الروسي دوماً يتطلع إلى غمس أرجله في مياه دافئة، سواء عبر أفغانستان أو عبر إيران والعراق وسورية ووصولاً إلى البحر المتوسط. وإذ زاد اعتماد سورية على روسية، فهذا قوة إضافية للأخيرة. ولذلك لا أعتقد أن روسيا سوف تتخلى عن سورية بحال لأن الأمر يتعلق بوضعها الاستراتيجي. والدول الناضجة تداهن في المصالح لا في الأمور الاستراتيجية. نعم، يمكن أن تغير روسيا موقفها كجزء من تسوية شاملة مع القوى الغربية.
أما الصين فمصالحها اقتصادية بشكل رئيسي، وتعاند أمركية من باب المساومة السياسية، ويمكن أن تغير موقفها.
الولايات المتحدة الأمريكية:
لم تكن الولايات المتحدة تودّ رحيل النظام في أول الأمر. لكن الثورة أفقدت النظام شرعية الحكم وإمكانية تحقيق الاستقرار من غير رجعة. لقد دخلت سورية مرحلة اللاعودة، مما أجبر الولايات المتحدة أن تتطلع للمستقبل. وإننا نتستطيع التأكيد أن الولايات المتحدة أصبحت (مهتمة) بالتغيير في سورية، وتحاول أن تحقق أحسن وضع لها فيما بعد الثورة. بالنسبة إلى الولايات المتحدة تحوّل خطاب سورية تلقائياً من خطابٍ قومجي وسلوك مشاغب إلى خطاب واقعي يريد معونة الولايات المتحدة حلم يصعب مغالبته. موقف الولايات المتحدة شبيه بموقف البراغماتيين في إسرائيل. ومثلهم، تسعى إلى تمكين الأقليات في الفترة القادمة لسورية تحت شعار (التعددية). ربما الولايات المتحدة تفضل وضعاً فيه نوع من الديمقراطية التي تفتح الأسواق، في حين أن الفريق الإسرائيلي الراغب بالثورة يسعى بشكل أعمق إلى إبقاء المخابرات السورية في المرحلة الجديدة (شبيهاً بالحالة المصرية) بيد الأقليات. للولايات المتحدة رغبة حثيثة في تمكين مسيحيي سورية ولبنان وتعهيدهم قيادة المرحلة الجديدة قدر الإمكان.
الولايات المتحدة الأمريكية مهتمة جداً بالأمر السوري، والحال الثوري يشكل فرصة سانحة لتقليص النفوذ الإيراني. وهذا مدعاة إلى نوع من الاستعجال في اغتنام الفرصة. غير أن مواجهة إيران وميلاشياتها في العراق ولبنان وسورية مكلفة. ولذا يمكن أن يقال إن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في عجلة من أمرها، فإذا استمر نزف النظام ونزف الشعب، فهذا من شأنه أن يجعل مهمتها أسهل. ولو لم تكن الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات بعد حوالي سنة، لوجدنا منها مواقف أكثر حزماً. وإنه لا يتصور قيام الولايات المتحدة بأي تحرك عسكري قبل فوز الرئيس الجديد. وهذا يعني أن تركيا لن تتحرك عسكرياً أيضاً. ولكن لا يعني هذا أنهم لا يتهيؤون لسيناريوهات حرب إذا دعت إليها الضرورة القصوى. إنهم يتهيؤون لكل الاحتمالات برغم أن تفضيلهم هو حدوث انقلاب يعقبه تغيير ولو جزئي.
مازن هاشم
Tagged: الاحتواء والتوظيف, التدخل الخارجي, الثورة السورية, الربيع العربي
اترك تعليقًا