5/5/2012
- يشهد واقع الثورة السورية حال فراغ سياسي. ولا أقصد به ضمور القيادة الداخلية، وإنما السياسية العالية. وربما ليس لهذا الفراغ تأثير كبير على مجريات الأحداث في المدى القريب، لكنه مقلق جداً على المستوى البعيد.
- بوادر تشكّل قيادة داخلية أمر حسن ومطلوب، بل يؤكد الحاجة إلى ما يتكامل معه.
- لقد تحوّر دور المجلس الوطني من فاعل سياسي إلى منفعل يتخبّط ارتداداً للظروف المحيطة. وساهم جميع الأطراف في تحجيم المجلس: سلوك أعضائه وريادته، والسلوك الدولي، وسلوك الحراك الثوري في الداخل.
- حدث تغيّر في طبيعة الحراك الثوري، إذ عليه الآن أن يدير الموازنة الصعبة بين شقيه المدني والعسكري.
- الشق المدنيّ ينزف دمه وتُستفرغ طاقته، ولكنه ثابت مصمم على المضيّ قُدماً؛ وهو الإطار الكبير للثورة.
- الشقّ المسلّح أصبح واقعاً ويُتوقع أن ينمو باستقلال أو على حساب الشق المدني، ويمكن أن يدعم الشقّ المدني وإن كانت تبعات المقاومة المسلحة يغلب أن تكون أكثر وزناً من تبعات سلوك الشقّ المدني.
- المعادلة الصعبة هو إدارة هذين الشقين بحيث لا تتضارب أولوياتهما وبحيث يكون هناك انفصال عملانيّ كامل بينهما برغم أنّ المقاومة المسلحة لا يمكن أن تفلح بلا احتضان شعبي.
- لا أحسب أنّ حجم الكمون الثوري المدني غير المستثمر في دمشق كبير. أما حلب فلم تصل بعدُ إلى حدّها الأعلى في ذلك، ويبدو أنّ حراكها يدفع – شبه تلقائي- باتجاه استثمار الباقي من هذا الكمون. وعلاقة المقاومة المدنية بالمسلحة قد تأخذ نسقاً تعاونياً في حلب، مختلف عن النسق التكاملي في دمشق، ومختلف أيضاً عن النسق التمازجي في المدن الأخرى الأصغر.
- إذا سلّمنا بأنّ خراب الحياة وآلام الأرواح وجراحات الشرف وإهانة المقدسات لن تسمح بالتوقّف رغم النزيف، فإنّ الاستمرار مع الضعف قد يزيد التشرذم التنظيميّ ويزيد في الانتقاميّة الرمزية غير الفاعلة من باب الرغبة والدافع ومن باب المقدور عليه.
- نعرف أنّ الثورة دخلت نفقاً طويلاً يجري فيه خلخلة قبضة الحكم برغم صورة سيطرته الظاهرة، ولكن من غير قدرة على الحسم أو حتى الاقتراب منه؛ وأصبح العدّ بالشهور هو الوحدة القياسية المناسبة، وليس أي شيء أقصر منها.
- وهذا النفق القُطري الطويل يتوضّع – وعلى وتيرة متصاعدة- ضمن نفق إقليمي أكبر وأطول وأعقد في حركيّاته وأكثر في عدد لاعبيه؛ مما يجعل الوحدة القياسية المناسبة –في حال إطباق الإقليمي على القُطري- هو العدّ بالسنين.
- في ضوء التشخيص المختصر للوضع الميداني وسياقه الكبير، يمكن القول إنّ الحاجة إلى تطوير البُعد السياسي أضحت ضرورة أكثر إلحاحاً.
- وهذه الضرورة الملحّة تمشي جنباً إلى جنب مع غلبة احتمال عجز الجهود السياسية الحالية.فلا يُتوقع للمجلس الوطني أن يكون قادراً على إصلاح نفسه إصلاحاً ذا معنى.ويُتوقع أن لا يجد لنفسه طريقاً للاستمرار إلا من خلال متابعة انزياحه الفوقي انزياحاً يرتهن للمؤثرات الدولية.
- ولعل الزخم الإخوانيّ وصل مداه وحدّه الإعلى؛ وإن لم يكن قد وصله باعتبار أنّ توافر مزيدٍ من المال له يزيد في حضوره، لكنه على كل حالٍ يبدو أنه وصل أقصى مداه من ناحية نوع أطر التحرك المتاحة له وأدوات التحريك ومنصّات التأثير التي هو قادر على إدارتها.
- البدائل السياسية المفتقِدة للانسجام الثقافي وللعمق الشعبي والتي تُهيَّئ دولياً وتُرعى مهنيّتها يمكن -برغم رقّة وجودها على الأرض- أن تستأثر بمساحات ومواقع سياسية، ولا سيما عند ازدياد الحاجة للمعونة الدولية.
- باعبتار ما سبق، إن صحّ، هناك حاجة إلى توجهين يستثمران القوى الشعبية للتغيير في الداخل والخارج:
1. الأول يحافظ على السمت الديني والخطاب الإسلامي، ويعمل على تشكيل تيار سياسي إسلامي؛
وأخصرُ ما يمكن وصفه أنه يكون صنو حركة النهضة التونسية.
2. الثاني هو تيار ذو خطاب وطني محض، وإن كان يستبطن رؤية إسلامية مرحلية، أولويته بناء قدرات الحوكمة؛
وأخصر ما يمكن وصفه هو أن يكون صنو حزب العدالة والتنمية التركي.
- خصوصية الحالة السورية في أبعادها الطائفية والأقلوية والإقليمية تستدعي التيار الثاني بالخصوص؛ والخلفية الثقافية للمنطقة وتطور هوية الحراك تستدعي التيار الأول.
والله أعلم
Tagged: الثورة السورية, الربيع العربي, العملية السياسية
اترك تعليقًا