17/10/2011
دروس من التاريخ الحديث للصراع (3): السلاح ومقاومة الغزو
العراق وأفغانستان واجها غزواً قادته أعتى قوة عسكرية في التاريخ الحديث، واستعملتْ فيه أحدث الأسلحة وأكثرها فتكاً. الجيوش النظامية الغازية غلبتْ الجيش النظامي في العراق، ولم يكن هناك ما تغلبه في أفغانستان، ولم يتحصّل الحسم في أفغانستان إلى اليوم.
في العراق لم تصمد القوات النظامية والمسلحة تسليحاً حديثاً وانهارت في غضون أسبوعٍ واحد. ثم انقدحت مقاومة شعبية من قِبَل مكوّن واحدٍ من المكونات المذهبية للمجتمع، إلى جانب فصيل في مكوّن رئيس آخر. وشلّتْ هذه المقاومةُ القدراتِ الهائلة للغازي وأعجزتها. ولم يفلَّ عزم المقاومة إلا أعمال انتقامية تقوم بها فرق على هامش المجتمع وفرق شبه مجهولة ليست مجذرة في الوطن، أدخلتْ البلاد في فوضى عارمة عمَّ فيها الخراب. وأخيراً لم يجد الغازي بداً من التفاهم مع فصائل الصحوة والاتفاق معها وتمويلها؛ أي أنَّ الجهد السياسي هو الذي غيّر المعادلة على نحو حاسم، لا العسكري.
أفغانستان واجهت المستعمر السوفيتي أولاً وأنهكته المقاومة بالأسلحة البسيطة. زودتْ الولايات المتحدة المقاومةَ بصواريخ محمولة على الكتف أعيتْ الطائرات السوفييتية برغم تركيب مضادات لهذه الصواريخ. وتبنّتْ البلدان المجاورة فرق المقاومة المختلفة، مما أدى إلى تناحرها بعد الانسحاب المهزوم للسوفييت، تناحراً سببه غياب رؤية سياسية ناضجة وبسبب اربتاط أولويات فرق المقاومة بمصالح الدول الداعمة. فبالإضافة إلى التدخّل الكبير لباكستان في شؤون أفغانستان، كان هناك تدخّل هندي وصيني وخليجي، إلى جانب استمرار التدخّل السوفيتي على يد عملاء له. السلاح التقليدي والمقاومة الشعبية هزمت السلاح الثقيل، والسياسة هي التي أدخلت البلاد في النزاع الداخلي.
ثم واجهتْ أفغانستان الغزو الأمريكي الأروبي مزوداً بسلاح فائق التقنيّة. واستطاعت الأسلحة التقليدية البسيطة للمقاومة في بلد تضاريسه مثالية لحرب العصابات أن تُعجز أعتى الجيوش وأقواها في تاريخ البشرية، فأنهكتْ مقاومة الفقراءِ الغازيَ وحالتْ بينه وبين الحسم.
المعروف المشهور هو أن السلاح الجويّ، برغم أنه صار على مقدرة في إصابة الأهداف بدقة عالية، غير قادر على الحسم. السلاح الجويّ يمكِّن من إيقاع خسائر فادحة وعلى تدمير البنى التحتية. لكنّه ما زالت القوات الأرضية هي العنصر الأساس في الحسم النهائي؛ فالسلاح الجوي عنصر مساعد جداً في الإنهاك والتهييء لما بعده، لا الحسم ذاته.
هناك حالة وحيدة نجح فيها سلاح الجوّ في تحقيق ما يُشبه الحسم، وهي حالة صِرْبيا التي أقنع فيها القصفُ الجوي الطاغيةَ بوقف طغيانه. وكان الضغط الشعبي على السفّاك هو الذي اضطره على الوقوف. غير إنّه ينبغي التنبيه إلى أنَّ السلاح الجويّ أقنع الطاغية الصربي الطامح عدم جدوى الاستمرار في العدوان، ولم يحسم في أمرِ مدافعةٍ عن بلد يقاوم غزواً خارجياً. وهكذا كان الأمر في حالة العراق مع الكويت، وكان هدف تدمير العراق هدفاً مستقلاً لم يردّه الانسحاب من الكويت. حالة غزة تؤكد بوضوح عجز القصف الجويّ عن تحقيق النصر عند وجود تصميم شعبي.
الجيش النظامي البريّ لا يفلح –أو لا يستطيع أن يستمرّ طويلاً- في حرب العصابات وحرب الشوارع. والأسلحة الفردية تعتبر فاعلة في المقاومة، كما تشير إلى ذلك حالات أفغانستان والعراق وغزة. أما الأسلحة الفردية المقاومة للدروع، فقد أثبتتْ فاعليةً لا نظير لها في صدّ الهجوم المدرع المنطلق نحو المناطق السكنية. حالة جنوب لبنان هي المثال البارزة، ومثال غزة أيضاً، وإن كان عند إسرائل دبابات لا تخترقها الأسلحة الفردية لمقاومة الدروع. في مصراتة ليبيا لم تستطع راجمات الصواريخ (وهي قوات برية ولكن غير اشتباكيّة) الحسم لمدة شهرين اثنين.
كلّ الأمثلة والحالات السابقة كانت حالات اعتداء خارجي ومقاومة وطنية ضدّ قوات غازية، ولسيت حالات مقاومة مسلحة في نزاع داخلي.
دروس:
1. السلاح الحديث عالي التقنية لا يضمن النصر.
2. السلاح الجوي لا يحسم وإن كان يمهد للحسم الذي تقوم به القوى البرية.
3. القوات البريّة تعجز بذاتها عن الحسم عند وجود مقاومة مدنية فاعلة.
4. السلاح الفردي البسيط فاعل في حرب العصابات وحرب الشوارع.
5. السلاح البسيط الذي تستطيع المقاومة تصنيعه وتحمّل نفقاته ذاتياً فاعل بسبب إمكان كثرة استعماله.
6. السلاح الفردي المضاد للدروع عالي الفاعلية في وجه غزو المدرعات للمناطق السكنية.
7. سوء السياسة أمضى من السلاح في إفساد الحال.
وأخيراً، أُورد ما قرّره المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري –رحمه الله- في شأن الثورة الفلسطينية؛ إذ نبّه إلى أن الثورة الفلسطينية بدأت بالانتصار يوم تحولت إلى ثورة الحجارة وقامت بالتحديث السلبي لسلاحها (demodernization). لقد كان عند الفدائيين من قبلُ سلاح أكثر تقدماً، وكان عند منظمة التحرير سلاح مودع في البلاد العربية يشمل المدرعات. غير أن الحجارة أثبتت أنها أنكى في فلِّ عزم العدو.
يمكن أيضاً تصفح المقال على الرابط التالي: http://ahrar-syria.com/archives/1956
Tagged: التغيير السياسي, الثورة السورية, الربيع العربي, السلمية واللاعنف
اترك تعليقًا