قراءة في جمعة لا حوار

8 تموز 2011

تظهر بوضوح تطورات هذه الجمعة أنّ المعارضة تمأسستْ من حيث طبيعيّة استمرار الحراك. العنف الشديد أو غيابه يؤثر في عدد المتظاهرين لا في رفض النظام والتصميم على مطالب الثورة؛ بل مطالب الثورة بلغت حداً أعلى: لا حوار.

كل ذلك يترافق مع شعور بنوع من فلتان الأمور من قبضة النظام. فالعنف برغم أنه ممنهج لكنه أيضاً متخبط من ناحية الحيرة الاستراتيجية في رؤية النظام لمخرجٍ من المأزق الصعب.

العنف الشديد منع من تزايد الأعداد في أغلب المناطق (درعا، المناطق الشمالية الغربية، دوما…)، مما دفع نحو تغيير في التكتيك والخروج بمظاهرات متفرقة تُذكّر بأن الشعب غير راضٍ وبأن المعارضة لم تغيّر رأيها وأنها ما زالت سائرة في طريقها. حال الرفض هذا عمّم شعور اليأس بين شرائح أوسع متردّدة لم تعد تثق بإمكانية حدوث إصلاح ما أو انتهاء النشاطات الصلبة للمعارضة.

حمص التي تلقّت عنفاً شديداً في بعض أحيائها يبدو أن حجمها كمدينة يفوق قدرة ضبطِ اللاإبادة للدولة (وهو الضبط الذي تُستعمل فيه أعداد كبيرة من المخابرات التي تقوم بالضرب المبرح إلى جانب إطلاق نار يذهب ببضعة العشرات من الأرواح). ولذلك شهدنا مؤخراً ما هو أشبه بكر وفر وبمناظر مواجهة بين الشباب والمخابرات، بما في ذلك انتشال متظاهر من بين يدي المخابرات، تلاه إطلاق نار في الهواء يشير إلى إنهاك قوى القمع. وكل ذلك يذكّر بمواقف الفلسطينيين في وجه الجيش الإسرائيلي حيث أصبحت المواجهة (شيء عادي)، وكأن الموقف يقول: إنك أقوى مني وأشرس وساقط أخلاقيا، ولكنك لا تستطيع أن تهزمني.

هناك مظاهرات في العديد من الأماكن، وكلها تشهد بالرفض الواثق الذي يعبر عن نفسه بأقصى الممكن، وهي الدرجة التي تحاذي الأذى الشديد والموت الأكيد فتقترب منهما وتتفاداهما بآن معاً. وكل ذلك يحدث برغم الاعتقلات الواسعة بمن يُظن بهم أنهم محركون أو منظمون أو عندهم قدرة تنظيمية. الوثوق ورباطة الجأش ظهر في عبارة اللافتة في مظاهرة الحجر الأسود (قرب دمشق): “أرونا بطشكم أرونا… وطيشوا واملؤنا السجونَ. وآذونا بكل قوى لديكم… وزيدونا فإنا صابرونَ”.

في الأماكن التي تجنّبها العنف الشديد الشامل لسبب أو آخر، خرجت الجموع على شكل احتفالي.

حماه خرجت عن بكرة أبيها، وهي التي كانت مهددة بمجزرة اليوم، وبعد 20 قتيل البارحة؛ ويعني ذلك أن حماه قد تكون خرجت من معادلة الدولة وطوقها من غير رجعة. اللاذقية أيضاً خرجت على نحو احتفالي منظم (اعتصام) مليء باللافتات والأهازيج المسجلة.

ويبدو أن علويي اللاذقية –الذين تمّ تسليحهم- لا يرغبون في بطش يقدح اقتتالاً طائفياً. فهم يعيشون في راحة نسبية تحت غطاء النظام ولا يرجون زواله، والمواجهة مع السنة غير مرغوب بها لأنها تذهب بهذه الراحة وتذهب بحال الرضى بالواقع الراهن، كما أن ثمنها ليس باليسير (وإن يغلب أنهم واثقون بإمكانهم الحسم لو حدثت المواجهة مع السنة).

النظام أيضاً يغلب أن لا يريد اقتتالاً طائفياً في المناطق المختلطة، لأن ذلك يستدعي مناصرة الطائفة وحمايتها، مما يصم النظام بوصف الطائفية، وهو وصف يحاول التبرء منه، وهو مناقض لشرعية أي حكم. ولذلك يكتفي النظام بتخويف الطوائف غير السنية من أجل حشد تأييدهم، دون أن يصل الأمر إلى درجة الاقتتال. خيار الدفع نحو الاقتتال الطائفي هو آخر الكيّ، وعلى كل حال، العنصر الطائفي في العنف موظف أصلاً من خلال مجموعات الشبيحة.

موقف المسيحيين قريب من هذا، ولكن لهم ميزة البراءة من وصمة الانتماء إلى الطائفة الحاكمة. فهم في وضع أسلم، ومن الصعب أن تثار الأحقاد ضدهم، خلاف العلويين (وربما الإسماعليين والدروز) الذين يخشون من انقلاب مفاجئ في المزاج السني إذا فلتت الأمور بشكل كلي.

وبشكل عام، ربما ما زال مناصرو النظام –في قراءة خاطئة للواقع- يظنون أن ما يجري هو (أزمة) وليس (ثورة)، وأنها سوف تختفي وسوف يستوعبها النظام القوي قريباً.

أحداث جمعة لا حوار أوصلت خطابها بصوت عال لرفض محاولات الالتفاف الداخلية والخارجية. ومحاولات الالتفاف ليست إلا دليلاً على الكمون القوي للحراك التحرري للثورة.

مازن هاشم

Tagged: , ,

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: